الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ ٱلْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَأُخْرَىٰ كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِّثْلَيْهِمْ رَأْيَ ٱلْعَيْنِ وَٱللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَن يَشَآءُ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لَعِبْرَةً لأُوْلِي ٱلأَبْصَارِ }

" قَدْ كَانَ " جواب قسم محذوفٍ، و " آيَةٌ " اسم " كان " ولم يُؤنث الفعلُ؛ لأن تأنيث الآية مجازيٌّ، ولأنها بمعنى الدليل والبرهان.

فهذا كقول امرئِ القيسِ: [المتقارب]
1350 - بَرَهْرَهَةٌ، رُؤدَةٌ، رَخْصَةٌ   كَخُرُعُوبَةِ الْبَانَةِ الْمُنْفَطِرْ
قال الأصمعي: " البَرَهْرَهَةُ: الممتلِئَة المُتَرَجْرِجَة، والرُّؤدَة، والرادة: الناعمة ".

قال أبو عمرو: وإنما قال: الْمُنْفَطِر، ولم يقل: المنفطرة؛ لأنه رَدٌّ على القضيب، فكأنه قال: البان المنفطر، والخرعوبة: القضيب، والمنفطر: الذي ينفطر بالورق، وهو ألين ما يكون.

قال أبو حيّان: أوَّل البانةَ بمعنى القضيب، فلذلك ذكر المنفطر، ولوجود الفصل بـ " لَكُم " فإن الفصلَ مسوغ لذلك مع كون التأنيث حقيقيًّا، كقوله: [البسيط]
1351 - إنَّ امْرَأ غَرَّهُ مِنكُنَّ وَاحِدَةٌ   بَعْدِي وَبَعْدَكِ فِي الدُّنْيا لَمَغْرُورُ
وقال بعضهم: محمول على المعنى، والمعنى: قد كان لكم بيانُ هَذه الآيةِ.

وفي خبر " كان " وَجهَانِ:

أحدهما: أنه " لَكُم " و " فِي فِئَتَيْنِ " في محل رفع نَعْتاً لـِ " آيَةٌ ".

والثاني: أنه " فِي فِئَتَيْنِ " وفي " لَكُمْ " وجهانِ:

أحدهما: أنه متعلق بمحذوف على أنه حال من " آية "؛ لأنه - في الأصل - صفة لآية، فلمَّا تقدَّم نُصِبَ حَالاً.

الثاني: أنه متعلق بـ " كان " ذكره أبو البقاء، وهذا عند مَنْ يَرَى أنها تعمل في الظرف وحرف الجر ولكن في جَعْل " فِي فِئَتَيْنِ " الخَبَرَ إشْكالٌ، وهو أن حكم اسم " كان " حكم المبتدأ، فلا يجوز، أن يكونَ اسماً لها إلا ما جاز الابتداء به، وهنا لو جعلت " آية " مبتدأ، وما بعدها خبراً لم يجز؛ إذْ لا مُسَوِّغَ للابتداء بهذه النكرة، بخلاف ما إذا جَعَلْتَ " لَكُم " الخبرَ، فإنَّه جائز لوجود المسوِّغ، وهو تقدُّمُ الخبرِ حرفَ جَرٍّ.

قوله: { ٱلْتَقَتَا } في محل جر، صفة لـ " فِئَتَيْنِ " ، أي: فئتين ملتقيتين، يعني بالفئتين المسلمين والمشركين يوم بَدر.

قوله: { فِئَةٌ تُقَاتِلُ } العامة على رفع " فِئَةٌ " وفيها أوجُه:

أحدها: أن تَرْتَفِعَ على البدل من فاعل " الْتَقَتَا " ، وعلى هذا فلا بد من ضمير محذوف يعود على " فِئَتَيْنِ " المتقدمتين في الذكر؛ ليسوغ الوصف بالجملة؛ إذ لو لم يقدَّر ذلك لما صَحَّ؛ لخلو الجملة الوصفية من ضمير، والتقدير: في فئتين التقت فئةٌ منهما مؤمنة، وفئة أخرى كافرة.

الثاني: أن يرتفع على خبر ابتداء مُضْمَرٍ، تقديره: إحداهما فئةٌ تقاتل، فقطع الكلام عن أوله، ومِثْلُه ما أنشده الفرّاء على ذلك: [الطويل]
1352 - إذَا مِتُّ كَانَ النَّاسُ صِنْفَيْنِ شَامِتٌ   وَآخَرُ مُثنٍ بالذي كُنْتُ أصْنَعُ

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10