الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّىءُ ٱلْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }

العامل في " إذْ " مضمَر، تقديره: واذكر إذْ غدوت، فينتصب المفعول به لا على الظرف، وجوَّز أبو مسلم أن يكون معطوفاً على { فِئَتَيْنِ } في قوله:قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ } [آل عمران: 13] أي: قد كان لكم آية في فئتين، وفي إذْ غَدَوْتَ، وهذا لا ينبغي أن يعرَّج عليه.

وقال بعضهم: العامل في " إذْ " " محيط " تقديره: بما يعملون محيط إذْ غَدَوْتَ.

قال بعضهم: وهذا لا يَصحّ؛ لأن الواو في (وَإِذْ) يمنع في عمل (مُحِيطٌ) فيها.

والغُدوّ: الخروج أول النهار، يقال: غدا يغدو، أي: خرج غدوة، وفي هذا دليل على جواز صلاة الجمعة قبل الزوال؛ لأن المفسِّرين أجمعوا على أنه إنما خرج بعد أن صَلَّى الجمعة.

ويُسْتَعْمَل بمعنى: " صار " عند بعضهم، فيكون ناقصاً، يرفع الاسم، وينصب الخبر، وعليه قوله صلى الله عليه وسلم: " لَوْ تَوَكَّلْتُمْ عَلَى اللهِ حَقَّ توكُّلِهِ لَرَزَقكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ، تَغْدُو خِمَاصاً، وتَرُوحُ بِطَاناً ".

قوله: " من أهلك " متعلق بـ " غَدَوْتَ " ، وفي " مِنْ " وجهان:

أحدهما: أنها لابتداء الغاية، أي: من بين أهلك.

قال أبو البقاء: " وموضعه نصب، تقديره فارقت أهلَك ".

قال شهابُ الدِّيْنِ: " وهذا الذي قاله ليس تفسير إعراب، ولا تفسير معنى؛ فإن المعنى على غير ما ذكر ".

الثاني: أنها بمعنى: " مع " أي: مع أهْلك، وهذا لا يساعده لفظ، ولا معنى.

قوله: " تبوئ " يجوز أن تكون الجملة حالاً من فاعل: " غَدَوْتَ " ، وهي حال مقدرة، أي: قاصداً تَبْوئةَ المؤمنين؛ لأن وقت الغدو ليس وقتاً للتبوئة، ويُحْتَمَل أن تكون حالاً مقارنة؛ لأن الزمان متسع.

و " تبوئ " أي تُنزل، فهو يتعدى لمفعولين، إلى أحدهما بنفسه، وإلى الآخر بحرف الجر، وقد يُحْذَف - كهذه الآية - ومن عدم الحذف قوله تعالى:وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ ٱلْبَيْتِ } [الحج: 26] وأصله من المباءة - وهي المرجع -.

قال الشاعر: [الطويل]
1606- وَمَا بَوَّأ الرَّحْمَنُ بَيْتَكَ مُنْزِلاً   بِشَرْقيٍّ أجْيَادِ الصَّفَا وَالْمُحَرَّمِ
وقال آخر: [مجزوء الكامل]
1607- كَمْ صَاحِبٍ لِيَ صَالِحٍ   بَوَّأتُهُ بِيَدَيَّ لَحْدَا
وقد تقدم اشتقاقه.

وقيل: اللام في قوله " لإبراهيم " مزيدة، فعلى هذا يكون متعدياً لاثنين بنفسه.

و " مقَاعِدَ " جمع مَقْعَد، والمراد به - هنا - مكان القعود، و " قعد " قد يكون بمعنى: " صار " في المثل خاصة.

قال الزمخشري: " وقد اتُّسِعَ في قَامَ، وقَعَدَ، حتى أجْرِيَا مُجْرَى صار ".

قال أبو حيان: أما إجراء قَعَدَ مُجْرَى صار، فقال بعض أصحابنا: إنما جاء ذلك في لفظة واحدة شاذة في المثل قولهم: شَحَذَ شَفْرَتَه حتَّى قَعَدَتْ كأنَّهَا حَرْبَةٌ، ولذلك نُقِد على الزمخشري تخريجُه قوله تعالى:

السابقالتالي
2 3 4 5