الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَىٰ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ ٱلْمِهَادُ }

قرأ الأخوان: " سَيُغلبُونَ " و " يُحْشَرُونَ " - بالغيبة - والباقون بالخطاب، وهما واضحان كقولك: قل لزيد: قم؛ على الحكاية، وقل لزيد: يقوم وقد تقدم نحو من هذا في قوله:لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ ٱللَّهَ } [البقرة: 83].

وقال أبو حيّان: - في قراءة الغيبة-: " الظاهر أنَّ الضميرَ للذين كفروا، وتكون الجملة - إذ ذاك ليست محكية بـ " قل " بل محكية بقول آخَرَ، التقدير: قل لهم قولي: سيغلبون وإخباري أنهم سيقع عليهم الغَلَبةُ، كما قال: " قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إن يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سلف " فبالتاء أخبرهم بمعنى ما أخبر به من أنهم سيُغْلَبون، وبالياء أخبرهم باللفظ الذي أخبر به أنهم سيُغْلَبُون ".

وهذا الذي قاله سبقه إليه الزمخشريُّ، فأخذه منه، ولكن عبارة الزمخشريِّ أوضحُ، قال رحمه الله: فإن قلت: أيُّ فَرْقٍ بين القراءتين - من حيث المعنى؟

قلت معنى القراءة بالتاء - أي من فوق - الأمر بأن يخبرهم بما سيجري عليهم من الغلبة والحَشْر إلى جهنَّمَ، فهو إخبار بمعنى: ستُغْلَبُون وتُحْشَرون، فهو كائن من نفس المتوعَّد به، وهو الذي يدل عليه اللفظ ومعنى القراءة بالياء الأمر بأن يحكي لهم ما أخْبِرَ به من وعيدهم بلفظه، كأنه قال: أدِّ إليهم هذا القول الذي هو قولي لك: " سيُغْلَبون ويُحْشَرون ".

وجوَّز الفرَّاءُ وثعلبُ أن يكون الضمير في " سَيُغْلَبُونَ وَيُحْشَرُونَ " لكفار قريش، ويُرَاد بالذين كفروا اليهود، والمعنى: قل لليهود: ستُغْلَبُ قريش. وهذا إنما يتجه على قراءة الغيبة فقط.

قال مَكيٌّ: " ويقوِّي القراءة بالياء - أي من تحت - إجماعهم على الياء في قوله:قُل لِلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُمْ مَّا قَدْ سَلَفَ } [الأنفال: 38]، والتاء يعني من فوق أحَبُّ إليَّ، لإجماع الحَرَميَّينِ وعاصم وغيرهم على ذلك ".

قال شهابُ الدينِ: ومِثْل إجماعهم على قوله:قُل لِلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِن يَنتَهُواْ } [الأنفال: 38] إجماعُهم على قولهقُلْ لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّواْ } [النور: 30]، وقوله:قُل لِّلَّذِينَ آمَنُواْ يَغْفِرُواْ لِلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ } [الجاثية: 14]، وقال الفرّاء: " مَن قرأ بالتاءِ جعل اليهود والمشركين داخِلينَ في الخطاب، ثم يجوز - في هذا المعنى - التاء والياء، كما تقول في الكلام: قل لعبد الله: إنه قائم، وإنك قائم ".

وفي حرف عبد الله: { قُل لِلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِن تَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُمْ مَّا قَدْ سَلَفَ } ، ومَن قرأ بالياء فإنه ذهب إلى مخاطبة اليهود، وأنَّ الغَلَبَةَ تقع على المشركين، كأنه قيل: قل يا محمد لليهود سيُغْلَب المشركون، ويُحْشَرُونَ، فليس يجوز في هذا المعنى إلاَّ الياءُ لأن المشركين غيب.

فصل في سبب النزول

في سبب نزول الآية أوجه:

الأول: قال ابن إسحاق - ورواه سعيدُ بنُ جُبَيْر، وعكرمةُ عن ابن عباس-: لما أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشاً ببدر، ورجع إلى المدينة، جمع اليهودَ في سوق بني قينقاع، وقال: يا معشرَ اليهود احذروا من الله مثل ما نزل بقريش يوم بدر، فأسلموا قبل أن يَنْزِل بكم ما نزل بهم، فقد عرفتم أني نَبِيٌّ مُرْسَل، تجدون ذلك في كتابكم، فقالوا: يا محمد، لا يَغُرَّنَّكَ أنك لقيت قوماً أغماراً - لا عِلْم لهم بالحرب - فأصَبْتَ منهم فُرْصَةً، وإنا - والله - لو قاتلناك لعرفْتَ أنَّا نحن الناس، فأنزل الله تعالى: { قُل لِلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ } ، يعني اليهود " سَتُغْلَبُونَ " تُهْزَمُونَ، " وَتُحْشَرُونَ " فِي الآخرة " إلَى جَهَنَّم وَبِئْسَ الْمِهَادُ " أي: الفراش.

السابقالتالي
2