الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ ٱلْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ مِّنْهُمُ ٱلْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ ٱلْفَاسِقُونَ }

في " كان " هذه - ستة أقوال:

أحدها: أنها ناقصة على بابها - وإذا كانت كذلك، فلا دلالة لها على مُضِيٍّ وانقطاع، بل تصلح للانقطاع نحو: كان زيدٌ قائماً، وتصلح للدوام، كقوله:وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً } [النساء: 96]، وقوله:وَلاَ تَقْرَبُواْ ٱلزِّنَىٰ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً } [الإسراء: 32]، فهي - هنا - بمنزلة: لم يزل، وهذا بحسب القرائن.

وقال الزمخشري: " كان عبارة عن وجود الشيء في زمنٍ ماضٍ، على سبيل الإبهام، وليس فيه دليل على عدم سابق، ولا على انقطاع طارئ، ومنه قوله تعالى:وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً } [النساء: 96]، وقوله: { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } [آل عمران: 110]. كأنه قيل: وُجِدتم خيرَ أمة ".

قال أبو حيان: قوله: " لم يدل على عدم سابق " ، هذا إذا لم يكن بمعنى: " صار " ، فإذا كان بمعنى: " صار " دلت على عدم سابق، فإذا قلتَ: كان زيدٌ عالماً - بمعنى: صار زيدٌ عالماً - دل على أنه نقل من حالة الجَهْل إلى حالة العلم.

وقوله:؛ " ولا على انقطاع طارئ " ، قد ذكرنا - قبل - أن الصحيح أنها كسائر الأفعال، يدل لفظ المُضِيّ منها على الانقطاع، ثم قد يستعمل حيث لا انقطاع، وفرق بين الدلالة والاستعمال؛ ألا ترى أنك تقول: " هذا اللفظ يدل على العموم " ثم قد يستعمل حيث لا يراد العموم، بل يراد الخصوص.

وقوله: كأنه قيل: " وجدتم خير أمة " ، هذا يعارض قوله: إنها مثل قوله:وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً } [النساء: 96]؛ لأن تقديره: وجدتم خير أمة يدل على أنها التامة، وأن { خَيْرَ أُمَّةٍ } حال، وقوله:وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً } [النساء: 96] لا شك أنها - هنا - الناقصة، فتعارضا.

قال شهابُ الدين: " لا تعارُضَ؛ لأن هذا تفسير معنًى، لا إعراب ".

الثاني: أنها بمعنى: " صرتم " ، و " كان " تأتي بمعنى: " صار " كثيراً.

كقوله: [الطويل]
1571- بِتَيْهَاءَ قَفْرٍ وَالْمَطِيُّ كأنَّهَا   قَطَا الْحَزْنِ قَدْ كَانَتْ فِرَاخاً بُيُوضُهَا
أي: صارت فراخاً.

الثالث: أنها تامة، بمعنى: " وجدتم " ، و { خَيْرَ أُمَّةٍ } - على هذا منصوب على الحال، أي: وجدتم على هذه الحال.

الرابع:؛ أنها زائدة، والتقدير: أنتم خير أمة، وهذا قول مرجوح، أو غلط، لوجهين:

أحدهما: أنها لا تزاد أولاً، وقد نقل ابنُ مالك الاتفاق على ذلك.

الثاني: أنها لا تعمل في " خير " مع زيادتها.

وفي الثاني نظر، إذ الزيادة لا تنافي العمل، لما تقدم عند قوله: " وما لنا ألا نقاتل في سبيل الله "؟

الخامس: أنها على بابها، و المراد: كنتم في علم الله، أو في اللوح المحفوظ، أو في الأمم السالفة، مذكورين بأنكم خير أمة.

السابقالتالي
2 3 4 5 6