الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ ٱللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَٱللَّهُ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ }

في كاف " كَدَأب " وجهانِ:

أحدهما: أنها في محل رَفْع؛ خَبَراً لِمبتدأ مُضْمَر، تقديره: دأبهم - في ذلك " كَدَأبِ آلِ فِرعَوْن " وبه بدأ الزمخشريُّ، وابنُ عطية.

الثاني: أنها في محل نَصْب، وفي الناصب لها تسعةُ أقوالٍ:

أحدها: أنها نَعْتٌ لمصدر محذوف، والعامل فيه " كَفَرُوا " ، تقديره: إنَّ الذين كفروا كُفْراً كدأب آل فرعون، أي: كعادتهم في الكفر، وهو رأي الفرَّاءِ.

وهذا القول مردود بأنه قد أخبر عن الموصول قبل تمام صلته، فلزم الفصلُ بينَ أبْعَاضِ العلةِ بالأجنبيِّ، وهو لا يجوز.

الثاني: أنه منصوب بـ " كَفَرُوا " لكن مقدر؛ لدلالة هذا الملفوظ به عليه.

الثالث: أن الناصبَ مقدَّر، مدلول عليه بقوله: " لَنْ تُغْنِيَ " أي: بطل انتفاعهم بالأموالِ والأولادِ كعادة آل فرعونَ في ذلك. والمعنى: إنكم قد عرفتم ما حلَّ بآل فرعون ومَنْ قبلَهم من المكذبين بالرسل - من العذاب المعجل الذي عنده - لم ينفعهم مال ولا ولد.

الرابع: أنه منصوب بلفظ " وَقُودُ " ، أي: تُوقَد النارُ بهم كما توقد بآل فرعون، كما تقول: إنك لتظلم الناس كدأبِ أبيك، تريد: كظلم أبيك، قاله الزمخشريُّ، وفيه نظر؛ لأن الوقود - على القراءة المشهورة - الأظهر فيه أنه اسم لِما يوقد به، وإذا كان اسماً فلا عَمَل له، فإن قيل: إنه مصدر على قراءة الحَسن صَحَّ، ويكون معنى الدأب: الدؤوب - وهو اللُّبْثُ والدوام، وطول البقاء في الشيء - وتقدير الآية: " وَأُولَئِكَ هُم وَقُودُ كَدَأْبِ آل فِرْعَونَ ".

[أي: دؤوبهم في النار كدأب آل فرعون].

الخامس: أنه منصوب بنفس " لَنْ تُغْنِي " أي: لن تغني عنهم مثل ما لم تُغنِ عن أولئك، ذكره الزمخشري، وضعَّفه أبو حيَّان بلزوم الفصل بين العامل ومعموله بالجملة - التي هي قوله: { وَأُولَـٰئِكَ هُمْ وَقُودُ ٱلنَّارِ } قال: " على أي التقديرين اللَّذَيْنِ قدرناهما فيهما من أن تكون معطوفة على خبر " إنَّ " أو على الجملة المؤكَّدة بـ " إنَّ " قال: فإن جعلتها اعتراضيةً - وهو بعيد - جازَ ما قال الزمخشريُّ ".

السادس: أن يكون العامل فيها فعلاً مقدَّراً، مدلولاً عليه بلفظ " الوَقُود " ، تقديره: توقَد بهم كعادة آل فرعون، ويكون التشبيه في نفس الاحتراق، قاله ابنُ عطية.

السابع: أن العامل يُعَذَّبُونَ كعادةِ آل فرعونَ، يدل عليه سياق الكلام.

الثامن: أنه منصوب بـ { كَذَّبُواْ بِآيَٰتِنَا } ، والضمير في " كَذَّبُوا " - على هذا - لكفار مكة وغيرهم من معاصِرِي رسولِ الله صلى الله عليه وسلم - أي: كذبوا تكذيباً كعادة آل فرعونَ في ذلك التكذيب.

السابقالتالي
2 3