الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ تِلْكَ آيَاتُ ٱللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِٱلْحَقِّ وَمَا ٱللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِّلْعَالَمِينَ } * { وَللَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَإِلَىٰ ٱللَّهِ تُرْجَعُ ٱلأُمُورُ }

قوله: " تلْكَ " مبتدأ، { آيَاتُ ٱللَّهِ } خبره، و " نَتْلُوهَا " جملة حالية.

وقيل: { آيَاتُ ٱللَّهِ } بدل من " تِلْكَ " ، و " نَتْلُوها " جملة واقعة خبر المتبدأ، و " بِالحَقِّ " حال من فاعل " نتلُوهَا " ، أو مفعولة، وهي حال مؤكدة؛ لأنه - تعالى - لا ينزلها إلا على هذه الصفة.

وقال الزَّجَّاج: " في الكلام حذف، تقديره: تلك آيات القرآن حُجَجُ الله ودلائله ".

قال أبو حيان: فعلى هذا الذي قدَّره يكون خبر المبتدأ محذوفاً؛ لأنه عنده بهذا التقدير يتم معنى الآية، وهذا التقدير لا حاجة إليه؛ [إذ الكلام مُسْتَغْنٍ عنه، تامٌّ بنفسه].

والإشارة بـ " تِلْكَ " إلى الآيات المتقدمة المتضمنة تعذيب الكفار، وتنعيم الأبرار، وإنما جاز إقامة " تلك " مقام هذه؛ لأن هذه الآيات المذكورة قد انقضت بعد الذكر، فصارت كأنها بعدت، فقيل فيها: " تلك ".

وقيل: لأن الله - تعالى - وعده أن يُنزل عليه كتاباً مشتملاً على ما لا بدّ منه في الدين، فلما أنزل هذه الآيات قال: تلك الآيات الموعودة هي التي نتلوها عليك.

وقرأ العامة " نَتْلُوها " - بنون العظمة - وفيه التفات من الغيبة إلى التكلَّم.

وقرأ أبو نُهَيْك: " يتلوها " بالياء - من تحت - وفيه احتمالان:

أحدهما: أن يكون الفاعل ضمير الباري - تعالى - لتقدُّم ذكره في قوله: { آيَاتُ ٱللَّهِ } ولا التفات في هذا التقدير، بخلاف قراءة العامة.

الثاني: أن يكون الفاعل ضمير جبريل.

قوله: { بِٱلْحَقِّ } فيه وجهان:

لأول: ملتبسة بالحق والعدل من جزاء المحسن والمسيء بما يستوجبانه.

الثاني: بالحق، أي: بالمعنى الحق؛ لأن معنى المتلُوِّ حَقّ.

قوله: { وَمَا ٱللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِّلْعَالَمِينَ } اللام - في " لِلْعَالَمِينَ " - زائدة - لا تعلُّق لها بشيء، زيدت في مفعول المصدر وهو ظلم والفاعل محذوف، وهو - في التقدير - ضمير الباري، والتقدير: وما الله يريد أن يظلم العالمين، فزيدت اللام، تقوية للعامل؛ لكونه فرعاً، كقوله:فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ } [البروج: 16].

فصل

وقيل: معنى الكلام: وما الله يريد ظلم العالمين بعضهم لبعض، ورُدَّ هذا بأنه لو كان المراد هذا لكان التركيب بـ " من " أولى منه باللام، فكان يقال: ظلماً من العالمين، فهذا معنى ينبو عنه اللفظ. ونكر " ظلماً "؛ لأنه في سياق النفي، فهو يعم كل أنواع الظلم، وحسن ذكر الظلم - هنا -، لأنه تقدم ذكر العقوبة الشديدة، وهو تعالى أكرم الأكرمين، فكأنه - تعالى يعتذر عن ذلك، فقال: إنهم إنما وقعوا في هذا العذاب بسبب أفعالهم.

السابقالتالي
2