الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ٱسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ } * { وَأَمَّا ٱلَّذِينَ ٱبْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ ٱللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }

في ناصب " يَوْمَ " أوجه:

أحدها: أنه الاستقرار الذي تضمنه " لَهُمْ " والتقدير: وأولئك استقر لهم عذاب يوم تبيضُّ وجوه.

وقيل: إن العامل فيه مضمر، تدل عليه الجملة السابقة، والتقدير: يُعَذَّبُونَ يوم تبيض وجوه.

وقيل: إن العاملَ فيه " عَظِيمٌ " وضُعِّفَ هذا بأنه يلزم تقييد عِظَمِهِ بهذا اليوم.

وهذا التضعيف ضعيف؛ لأنه إذا عظم في هذا اليوم ففي غيره أوْلَى.

قال شهابُ الدين: " وهذا غير لازم " ، قال: " وأيضاً فإنه مسكوت عنه فيما عدا هذا اليوم ".

وقيل: إن العامل " عَذَابٌ ". وهذا ممتنع؛ لأن المصدر الموصوف لا يعمل بعد وصفه.

وقيل: إنه منصوب بإضمار " اذكر ".

وقرأ يحيى بن وثاب، وأبو نُهَيك، وأبو رُزَيْن العقيليّ: " تِبْيَضُّ " و " تِسْوَدُّ " - بكسر التاء - وهي لغة تميم.

وقرأ الحسن والزهري وابن مُحَيْصِن، وأبُو الجَوْزَاءِ: تِبياضّ وتسوادّ - بألف فيهما - وهي أبلغ؛ فإن البياض أدلُّ على اتصاف الشيء بالبياض من ابيضَّ، ويجوز كسر حرف المضارعة - أيضاً - مع الألف، إلا أنه لم ينقل قراءةً لأحدٍ.

فصل

نظير هذه الآية قوله تعالى:وَيَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ تَرَى ٱلَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى ٱللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ } [الزمر: 60]، وقوله:وَلاَ يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلاَ ذِلَّةٌ } [يونس: 26]، وقوله:وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ تَظُنُّ أَن يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ } [القيامة: 22-25]، وإذا عرفت هذا، ففي هذا البياض والسواد وجهان:

الأول: قال أبو مسلم: إن البياض عبارة عن الاستبشار، و السواد عبارة عن الغم، وهذا مجاز مستعمل قال تعالى:وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِٱلأُنْثَىٰ ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً } [النحل: 58]. ويقال: لفلان عندي يَدٌ بيضاء.

وقال بعضهم في الشيب: [الخفيف]
1563- يَا بَيَاضَ الْقُرُونِ سَوَّدْتَ وَجْهِي   عِنْدَ بِيضِ الْوُجُوهِ سُودِ الْقُرُون
فَلَعَمْرِي لأخْفِيَنَّكَ جَهْدِي   عَنْ عَيَانِي، وعَنْ عَيَانِ الْعُيُونِ
بِسَوَادٍ فِيهِ بَيَاضٌ لِوَجْهِي   وَسَوَادٌ لِوَجْهِكَ المَلْعُونِ
وتقول العرب - لمن نال بغيته، وفاز بمطلوبه -: ابيضَّ وجهه، ومعناه: الاستبشار والتهلل، ويقال - لمن وصل إليه مكروه -: ارْبَدَّ وجهه، واغبرَّ لونُه، وتغيرت صورته، فعلى هذا معنى الآية: إن المؤمن مستبشر بحسناته، وبنعيم الله، والكافر على ضد ذلك.

الثاني: أن البياض والسواد يحصلان حقيقة؛ لأن اللفظ حقيقة فيهما، ولا دليل يصرفه، فوجب المصير إليه، ولأبي مسلم أن يقول: بل معنا دليل يصرفه، وهو قوله تعالى:وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ ضَاحِكَةٌ مُّسْتَبْشِرَةٌ وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ } [عبس: 38-41]، فجعل الغَبَرةَ والقَتَرَة في مقابلة الضحك والاستبشار فلو لم يكن المراد ما ذكرنا من المجاز لما صح جعله مقابلاً له.

فصل

احتجوا بهذه الآية على أن المكلَّف إما مؤمن، وإما كافر، وليس - هنا - قسم ثالث كما قاله المعتزلة - فلو كان ثَمَّ ثالث لذكره، قالوا: ويؤيده قوله تعالى:

السابقالتالي
2 3 4 5 6