الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ أَمْ حَسِبَ ٱلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلسَّيِّئَاتِ أَن يَسْبِقُونَا سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ } * { مَن كَانَ يَرْجُواْ لِقَآءَ ٱللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ ٱللَّهِ لآتٍ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ } * { وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ ٱللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ ٱلْعَالَمِينَ } * { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ ٱلَّذِي كَانُواْ يَعْمَلُونَ } * { وَوَصَّيْنَا ٱلإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَآ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } * { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي ٱلصَّالِحِينَ }

قوله تعالى: { أَمْ حَسِبَ ٱلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلسَّيِّئَاتِ } " أم " هذه منقطعة، فتقدر ببل والهمزة عند الجمهور، والإضراب انتقال لا إبطال.

قال ابن عطية: أم معادلة للألف في قوله: " أحسب " وكأنه عزّ وجلّ قرر الفريقين، قرر المؤمنين أنهم لا يفتنون، وقرر الكافرين أنهم يسبقون نقمات الله.

قال أبو حيان: " ليست معادلة "؛ إذ لو كانت كذلك لكانت متصلة، ولا جائز أن تكون متصلة لفقد شرطين:

أحدهما: أن ما بعدها ليس مفرداً، ولا ما في قوته.

والثاني: أنه لم يكن هنا ما يجاب به من أحد شيئين أو أشياء.

وجوز الزمخشري في " حسب " هذه أن تتعدى لاثنين، وجعل " أن " وما في خبرها سادةً مسدهما، كقوله:أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ } [البقرة: 214]، وأن تتعدى لواحدٍ على أنها مضمنة معنى " قدر " ، إلا أن التضمين لا ينقاس

قوله: { سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ } يجوز أن تكون " ساء " بمعنى بئس فتكون " ما " إما موصولة بمعنى الذي، و " يحكمون " صلتها، وهي فاعل ساء، والمخصوص بالذم محذوف أي حكمهم.

ويجوز أن تكون " ما " تمييزاً، و " يحكمون " صفتها، والفاعل مضمر يفسره " ما " والمخصوص أيضاً محذوف.

ويجوز أن تكون ساء بمعنى قَبُحَ، فيجوز في " ما " أن تكون مصدرية، وبمعنى الذي، ونكرة موصوفة، وجيء بـ " يحكمون " دون " حكموا " إما للتنبيه على أن هذا ديدنهم وإما لوقوعه موقع الماضي لأجل الفاصلة.

ويجوز أن تكون ما مصدرية وهو قول ابن كَيْسَانَ فعلى هذا يكون التمييز محذوفاً، والمصدر المؤوّل مخصوص بالذم أي ساء حكماً حكمُهُمْ.

وقد تقدم حكم " ما " إذا اتصلت ببئس مشبعاً في البقرة.

فصل

لما بين حسن التكليف بقوله: { أَحَسِبَ ٱلنَّاسُ أَن يُتْرَكُوۤاْ } بين أن من كلف بشيء ولم يأت به يعذب، وإن لم يعذب في الحال فسيعذب في الاستقبال، ولا يفوت الله شيء. في الحال ولا في المآل.

فقوله: { أَمْ حَسِبَ ٱلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلسَّيِّئَاتِ } يعني الشرك " أن يسبقونا " أي يعجزونا ويفوتونا، فلا نقدرعلى الانتقام منهم { سَاءَ مَا يَحكُمُونَ } بئس ما حكموا حين ظنوا ذلك.

قوله: { مَن كَانَ يَرْجُواْ } يجوز أن تكون من شرطية، وأن تكون موصولة ودخلت الفاء لشبهها بالشرطية.

فإن قيل: المعلق بالشرط عُدِمَ عَدَم الشرط، فمن لا يرجو لقاء الله لا يكون أجل الله آتياً له، وهذا باطل، لأن أجل الله آت لا محالة من غير تقييد بشرط؟

فالجواب: أن قوله: { فَإِنَّ أَجَلَ ٱللَّهِ لآتٍ } ليس بجواب، بل الجواب محذوف، أي فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً كما قد صرح به.

السابقالتالي
2 3 4