الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ تُجَادِلُوۤاْ أَهْلَ ٱلْكِتَابِ إِلاَّ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلاَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ وَقُولُوۤاْ آمَنَّا بِٱلَّذِيۤ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَـٰهُنَا وَإِلَـٰهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ } * { وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ ٱلْكِتَابَ فَٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هَـٰؤُلاۤءِ مَن يُؤْمِنُ بِهِ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَآ إِلاَّ ٱلْكَافِرونَ } * { وَمَا كُنتَ تَتْلُواْ مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلاَ تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لاَّرْتَابَ ٱلْمُبْطِلُونَ } * { بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَآ إِلاَّ ٱلظَّالِمُونَ }

قوله تعالى: { وَلاَ تُجَادِلُوۤاْ أَهْلَ ٱلْكِتَابِ إِلاَّ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } أي لا تخاصمهم إلا بالتي هي أحسن أي بالدعاء إلى الله بآياته والتنبيه على حججه، وأراد من قبل الجزية منهم لما بين طريقة إرشاد المشركين بين طريقة إرشاد أهل الكتاب.

قوله: { إِلاَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ } استثناء متصل، وفيه مَعْنَيَانِ.

أحدهما: إلا الظلمة فلا تجادلوهم ألبتة بل جاهدوهم بالسيف حتى يسلموا أو يُعْطُوا الجزية.

ومجاز الآية: إلا الذين ظلموكم لأن جميعهم ظالم بالكفر.

والثاني: جادلوهم بغير التي هي أحسن أي أغلظوا لهم كما أغلظوا عليكم، قال سعيد بن جبير: أهل الحرب، ومن لا عهد له، وقال قتادة ومقاتل: نُسِخَتْ بقولِهِ:قَاتِلُواْ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ } [التوبة: 29]، وقرأ بن عباس " أَلاَ " حرف تنبيه أي فجادلوهم.

قوله: { وَقُولُوۤاْ آمَنَّا بِٱلَّذِيۤ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ } وهذا تبين لمجادلتهم بالتي هي أحسن يريد إذا أخبركم واحدٌ منهم ممن قبل الجزية بشيء مما في كتبهم فلا تجادلوهم عله ولا تصدقوهم ولا تكذبوهم { وَقُولُوۤاْ آمَنَّا بِٱلَّذِيۤ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَـٰهُنَا وَإِلَـٰهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ } ، روى أبو هريرة قال: " كان أهل الكتاب يقرأون التوراة بالعِبرانية ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا تصدقوهم ولا تكذبوهم وقولوا: آمنا بالله وما نزل إلينا... الآية " وروى معمر عن الزهري " أن أبا نملة الأنصاري أخبره أنه بينما هو جالس عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جاءه رجل من اليهود ومرّ بجنازة فقال: يا محمد هل تتكلم هذه الجنازة فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (الله) أعلم فقال اليهودي: إنها تتكلم فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " ما حدثكم أهل الكتاب فلا تُصَدِّقُوهُم ولا تكذِّبوهم وقولوا آمنا بالله وكتبه ورسله فإن كان باطلاً لم تصدقوه وإن كان حقاً لم تكذبوه " ".

قوله: { وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَا } أي كما أنزلنا إليهم الكتاب أنزلنا إليك الكتاب { فَٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ } يعني (مُؤْمِني) أهل الكتاب عبد الله بن سلام، (وأصحابه) " ومِنْ هَؤُلاَءِ " يعني أهل مكة { مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ } وهم مؤمنوا أهل مكة { وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَآ إِلاَّ ٱلْكَافِرونَ } وذلك أن اليهود عرفوا أن محمداً نبي، والقرآن حق، فجحدوا، وقال قتادة: الجحود إنما يكون بعد المعرفة وهذا تنفير لهم عما هم عليه يعني إنكم آمنتم بكل شيء وامتزتم عن المشركين بكل فضيلة إلا هذه المسألة الواحدة، وبإنكارها تلتحقون بهم، وتبطلون مزاياكم، فإن الجاحد بآية يكون كافراً.

قوله: { وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ } أي من قبل ما أنزلنا إليك الكتاب.

السابقالتالي
2