الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ مَثَلُ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَوْلِيَآءَ كَمَثَلِ ٱلْعَنكَبُوتِ ٱتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ ٱلْبُيُوتِ لَبَيْتُ ٱلْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ } * { إِنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } * { وَتِلْكَ ٱلأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَآ إِلاَّ ٱلْعَالِمُونَ }

قوله (تعالى): { مَثَلُ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ (أَوْلِيَآءَ) } يعني الأصنام يرجون نصرها ونفعها { كَمَثَلِ ٱلْعَنكَبُوتِ ٱتَّخَذَتْ } لنفسها { بَيْتاً } تأوي إليه، وإن بيتها في غاية الضعف والوهي لا يدفع عنها حراً ولا برداً كذلك الأوثان لا تملك لعابدها نفعاً ولا ضرّاً { وَإِنَّ أَوْهَنَ ٱلْبُيُوتِ لَبَيْتُ ٱلْعَنكَبُوتِ (لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ }. واعلم أنه تعالى مثل اتخاذهم الأوثان أولياء باتخاذِ العنكبوت) نسجه بيتاً ولم يمثل " نسجه " لأن " نسجه " له فائدة لولاه لما حصل، وهو اصطيادها الذباب من غير أن يفوته ما (هو) أعظم منه واتخاذهم الأوثان يفيدهم ما هو أقل من الذباب من متاع الدنيا ولكن يفوتهم ما هو أعظم منها وهو الدار الآخرة (التي) هي خير وأبقى، فليس اتخاذهم كنسج العنكبوت. وقوله: { وَإِنَّ أَوْهَنَ ٱلْبُيُوتِ لَبَيْتُ ٱلْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ } إشارة إلى ما بينا أن كل بيت ففيه إما فائدة الاستظلال أو غير ذلك، وبيته يضعف عن إفادة ذلك لأنه يَخْرُبُ بأدنى شيء، ولا يبقى منه عينٌ ولا أثر، فذلك عملهم، { لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ }. (وَ) العنكبوت معروف، ونونه أصلية. والواو والتاء مزيدتان بدليل جمعه على " عناكب " وتصغيره عنيكب ويذكر ويؤنث، فمن التأنيث قوله: " اتخذت بيتاً " ومن التذكير قوله:
4030 - عَلَى هَطَّالِهِمْ مِنْهُمْ بُيُوتٌ   كَأَنَّ العَنْكبُوت هو ابْتَنَاهَا
وهذا مطرد في أسماء الأجناس يذكر ويؤنث.

قوله: { لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ } جوابه محذوف أي لما اتخذوا من يضرب له بهذه الأمثال لِحَقَارَتِهِ ومتعلق يعلمون لا يجوز أن يكون من جنس قوله: { وإنّ أوهنَ البيوت } لأن كل أحد يعلم ذلك، وإنما متعلَّقَهُ مقدر من جنس ما يدل عليه السياق أي لو كانوا يعلمون أن هذا مثلهم.

قوله: { إِنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ } ، قرأ أبو عمرو وعاصم " يَدْعُون " بياء الغيبة، والباقون بالخطاب. و " ما " يجوز أن تكون موصولة منصوبة بـ " يَعْلَمُ " أي يعلم الذين يدعونهم ويعلم أحوالهم، و " من شيء " مصدر، وأن تكون استفهامية، وحينئذ يجوز فيها وجهان أن تكون هي وما عملت فيها معترضاً بين قوله: " يَعْلَمُ " وبين قوله: { وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } كأنه قيل: أَيُّ شيءٍ تدعون من دون الله.

والثاني: أن تكون متعلقة " لِيَعْلَمَ " فتكون في موضع نصب بها، وإليه ذهب الفارسي وأن تكون نافية و " مِنْ " في " مِنْ شَيْءٍ " مزيدة في المفعول به كأنه قيل: ما تدعون من دون الله ما يستحق أن يطلق عليه شيء.

قال الزمخشري: هذا زيادة توكيد على التمثيل حيث إنهم لا يدعون من دونه من شيء يعني ما يدعون ليس بشيء، وهو عزيز حكيم، فكيف يجوز للعاقل أن يترك القادر الحكيم ويشتغل بعبادة ما ليس بشيء أصلاً وهذا يفهم منه أنه جعل " ما " نافية، والوجه فيه حينئذ أن تكون الجملة معترضة كالأول من وجهي الاستفهامية، وأن تكون مصدرية، قال أبو البقاء: و " شيء " مصدر، وفي هذا نظر، إذ يصير التقدير يعلم دعاءكم في شيء من الدعاء.

السابقالتالي
2