الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَصْبَحَ ٱلَّذِينَ تَمَنَّوْاْ مَكَانَهُ بِٱلأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ ٱللَّهَ يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلاۤ أَن مَّنَّ ٱللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلْكَافِرُونَ } * { تِلْكَ ٱلدَّارُ ٱلآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ فَسَاداً وَٱلْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ }

قوله: { وَأَصْبَحَ ٱلَّذِينَ تَمَنَّوْاْ مَكَانَهُ بِالأَمْسِ } أي: صار أولئك الذين تمنوا ما رُزق من المال والزينة يتندمون على ذلك التمني، والعرب تعبِّر عن الصيرورة بأصبح وأمسى وأضحى، تقول: أصبح فلانٌ عالماً، وأضحى معدماً، وأمسى حزيناً، والمعنى صار ذلك زاجراً لهم عن حب الدنيا ومخالفة موسى وداعياً إلى الرضا بقضاء الله وقسمته.

قوله: { وَيْكَأَنَّ ٱللَّهَ.... وَيْكَأَنَّهُ } فيه مذاهب منها: أن وَيْ كلمة برأسها وهي اسم فعلٍ معناها أعجب أي أنا والكاف للتعليل، و " أنْ " وما في حيّزها مجرورة بها، أي: أعجب لأنَّه لا يفلح الكافرون، وسمع كما أنَّه لا يعلم غفر الله له، وقياس هذا القول أن يوقف على " وَيْ " وحدها، وقد فعل ذلك الكسائي، إلا أنه ينقل عنه أنه يعتقد في الكلمة أن أصلها " وَيْلَكَ " كما سيأتي، وهذا ينافي وقفه، وأنشد سيبويه:
4020 - وَيْ كَأَنْ مَنْ يَكُنْ لَهُ نَشَبٌ يُحْـ   ـبَبْ وَمَنْ يَفْتَقِرْ يَعِشْ عَيْشَ ضُرٍّ
الثاني: قال بعضهم " كَأَنَّ " هنا للتشبيه إلا أنه ذهب منها معناه، وصارت للخبر والتقين، وأنشد:
4021 - كَأَنَّنِي حِينَ أُمْسِي لاَ يُكَلِّمُنِي   مُتَيَّمٌ يَشْتَهِي مَا لَيْسَ مَوْجُودا
وهذا أيضاً يناسبه الوقف على " وَيْ ".

الثالث: أن " وَيْكَ " كلمة برأسها والكاف حرف خطاب، وأنَّ معمولة لمحذوف، أي: اعلم أنَّه لا يفلح، قال الأخفش، وعليه قوله:
4022 - أَلاَ وَيْـكَ المَسَـرَّةُ لاَ تَـدُومُ   وَلاَ يَبْقَى عَلَـى البُـؤْس النَّعِيـمُ
وقول عنترة:
4023 - وَلَقَدْ شَفَى نَفْسِيَ وَأَبْرَأَ سُقْمَهَا   قِيلُ الفَوَارِسِ وَيْكَ عَنْتَرَ أَقْـدِمِ
وحقه أن تقف على " وَيْكَ " وقد فعله أبو عمرو بن العلاء.

الرابع: أن أصلها " وَيْلَكَ " فَحُذِفَ، وإليه ذهب الكسائي ويونس وأبو حاتم، وحقهم أن يقفوا على الكاف كما فعل أبو عمرو، ومن قال بهذا استشهد بالبيتين المتقدمين، فإنه يحتمل أن يكون الأصل فيهما " وَيْلَكَ " فحذف ولم يرسم في القرآن إلا " وَيْكَأَنَّ " " وَيْكَأَنَّهُ " متصلة في الموضعين. فعامَّة القرَّاء اتبعوا الرسم، والكسائي وقف على " وَيْ " وأبو عمرو على " وَيْكَ " وهذا كله في وقف الاختيار دون الاختبار كنظائر تقدمت.

الخامس: أنَّ وَيْكَأَنَّ كلها كلمة مستقلة بسيطة ومعناها " أَلَمْ تَرَ ". وربَّما نقل ذلك عن ابن عباس، ونقل الكسائي والفراء أنها بمعنى: أما ترى إلى صنع الله، قال الفراء: هي كلمة تقرير، وذكر أنه أخبره من سمع أعرابية تقول لزوجها: أين ابنك؟ قال: وَيْ كأنَّه وراء البيت، يعني: أما ترينه وراء البيت، وحكى ابن قتيبة أنها بمعنى: رحمة لك في لغة حمير.

قوله: { لَوْلاۤ أَن مَّنَّ ٱللَّهُ } قرأ الأعمش " لَوْلاَ مَنَّ " بحذف " أنْ " وهي مرادة، لأن لولا هذه لا يليها إلا المبتدأ، وعنه " مَنُّ " برفع النون وجر الجلالة، وهي واضحة.

السابقالتالي
2