الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ ٱلَّذِينَ يُرِيدُونَ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا يٰلَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَآ أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ } * { وَقَالَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ ٱللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً وَلاَ يُلَقَّاهَآ إِلاَّ ٱلصَّابِرُونَ } * { فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ ٱلأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ ٱلْمُنتَصِرِينَ }

دلت الآية على أنه خرج بأظهر زينة وأكملها، وليس في القرآن إلا هذا القدر والناس ذكروا وجوهاً مختلفة، والأولى ترك هذه التقديرات لأنها متعارضة، ثم إن الناس لمَّا رأوه على تلك الزينة قال من كان منهم يرغب في الدنيا: { يٰلَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَآ أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ } من الحال، وهؤلاء الراغبون يحتمل أن يكونوا من الكفار، وأن يكونوا من المسلمين الذين يحبُّون الدنيا، فأمّا الذين أوتوا العلم - وهم أهل الدين - قال ابن عباس: يعني الأحبار من بني إسرائيل، وقال مقاتل: أوتوا العلم بما وعد الله في الآخرة. فقالوا للذين تمنوا: { وَيْلَكُمْ ثَوَابُ ٱللَّهِ خَيْرٌ } من هذه النعم، أي: ما عند الله من الجزاء والثواب { خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ } وصدَّق بتوحيد الله وعمل صالحاً، لأن للثواب منافع عظيمة خالصة عن شوائب المضار دائمة، وهذه النِّعم على الضد في هذه الصفات.

قوله: " وَيْلَكُمْ ": منصوب بمحذوف، أي: " ألْزَمَكُمْ اللَّهُ وَيْلَكُمْ " ، قال الزمخشري: ويلك أصله الدعاء بالهلاك، ثم استعمل في الزجر والرَّدع والبعث على ترك ما يضر.

قوله: " وَلاَ يُلَقَّاهَا " أي: هذه الخصلة وهي الزهد في الدنيا والرغبة فيما عند الله. وقيل: الضمير يعود إلى ما دل عليه قوله: { آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً } يعني هذه الأعمال لا يؤتاها إلا الصَّابرون (وقال الزجاج: ولا يُلَقَّى هذه الكلمة وهي قولهم: { ثَوَابُ ٱللَّهِ خَيْرٌ } إلا الصَّابرُونَ) على أداء الطاعات والاحتراز عن المحرمات، وعلى الرِّضا بقضاء الله في كل ما قسم من المنافع والمضار.

قوله: { فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ ٱلأَرْضَ } المشهور كسر هاء الكناية في بِهِ وبِدَارِهِ لأجل كسر ما قبلها. وقرىء بضمها وقد تقدم أنها الأصل، وهي لغة الحجاز.

فصل

قيل: لما أشر وبطر وعتا خسف الله به وبداره الأرض جزاءً على عتوه وبطره، والفاء تدل على ذلك، لأن الفاء تشعر بالعلية. وقيل: إن قارون كان يؤذي نبي الله موسى عليه السلام كل وقت وهو يداريه للقرابة التي بينهما، حتى نزلت الزكاة فصالحه عن كل ألف دينار على دينار، وعن كل ألف درهم على درهم، وعن كل ألف شاة على شاة، فحسبه فاستكثره فشحت به نفسه، فجمع بني إسرائيل وقال إنّ موسى يريد أن يأخذ أموالكم، فقالوا: أنت كبيرنا فمرنا بما شئت فقال: ائتوا بفلانة البغيّ فنجعل لها جعلاً حتى تقذف موسى بنفسها، فإذا فعلت ذلك خرج عليه بنو إسرائيل ورفضوه فدعوها فجعل لها قارون طشتاً من ذهب مملوءاً ذهباً، وقال لها: إن أموّلك وأخلطك بنسائي على أن تقذفي موسى بنفسك غداً إذا حضر بنو إسرائيل، فلما كان من الغد جمع قارون بني إسرائيل، ثم أتى موسى فقال إن بني إسرائيل ينتظرون خروجك فتأمرهم وتنهاهم، فخرج إليهم موسى وهم في براح من الأرض، فقام فيهم فقال: يا بني إسرائيل من سرق قطعنا يده ومن افترى جلدناه ثمانين جلدة، ومن زنى وليست له امرأة جلدناه مائة، (ومن زنى وله) امرأة رجمناه حتى يموت، فقال له قارون: وإن كنت أنت؟ قال: وإن كنت أنا، قال: فإن بني إسرائيل يزعمون أنك فجرت بفلانة، قال: ادعوها فإن قالت فهو كما قالت: فلما جاءت قال لها موسى: يا فلانة أنا فعلت بك ما يقول هؤلاء؟ وناشدها بالذي فلق البحر وأنزل التوراة أن تصدق فتداركها الله فقالت في نفسها: أحدث اليوم توبة أفضل من أن أؤذي رسول الله، فقالت: لا، كذبوا بل جعل لي قارون جعلاً على أن أقذفك بنفسي، فخر موسى ساجداً يبكي، وقال: يا رب إن كنت رسولك فاغضب لي، فأوحى الله إليه ان مر الأرض بما شئت فإنها مطيعة لك، قال: يا بني إسرائيل إن الله بعثني إلى قارون كما بعثني إلى فرعون.

السابقالتالي
2