الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ } * { وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَاناً فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءاً يُصَدِّقُنِي إِنِّيۤ أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ } * { قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَاناً فَلاَ يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَآ أَنتُمَا وَمَنِ ٱتَّبَعَكُمَا ٱلْغَالِبُونَ } * { فَلَمَّا جَآءَهُم مُّوسَىٰ بِآيَاتِنَا بَيِّنَاتٍ قَالُواْ مَا هَـٰذَآ إِلاَّ سِحْرٌ مُّفْتَرًى وَمَا سَمِعْنَا بِهَـٰذَا فِيۤ آبَآئِنَا ٱلأَوَّلِينَ } * { وَقَالَ مُوسَىٰ رَبِّيۤ أَعْلَمُ بِمَن جَآءَ بِٱلْهُدَىٰ مِنْ عِندِهِ وَمَن تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ ٱلدَّارِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلظَّالِمُونَ }

قوله: { قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ } اعلم أنه تعالى لمَّا قال:فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِن رَّبِّكَ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فَاسِقِينَ } [القصص: 32] تضمن ذلك أن يذهب موسى بهذين البرهانين إلى فرعون وقومه، فعند ذلك طلب من يقوِّي قلبه فقال: { رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَاناً } ، لأنه كان في لسانه حبسة إما في أصل الخلقة وإما لأنه وضع الجمرة في فيه عندما (نتف لحية) فرعون.

قوله " هُوَ أَفْصَحُ " الفصاحة لغةً الخلوصُ، ومنه: فصُحَ وأَفْصَحَ فهو مفصِحٌ وفصيحٌ، أي: خلُصَ من الرِّغوة، ومنه قولهم:
3996 - وَتَحْتَ الرِّغْوَةِ اللَّبَنُ الفَصِيحُ   
ومنه: فصُحَ الرَّجُلُ جادت لغته، وأفصح: تكلَّم بالعربية، وقيل: بالعكس، وقيل: الفصيح، الذي ينطق، والأعجم: الذي لا ينطق، ومن هذا استعير أَفصحَ الصُّبحُ، أي: بَدَا ضوؤُهُ، وأفصح النصراني: دنا فصحُه بكسر الفاء، وهو عيد لهم.

وأما في اصطلاح أهل البيان، فهو خُلُوص الكلمة من تنافر الحروف، كقوله: تَرَعَى الهُعْخُعَ، ومن الغرابة كقوله:
3997 - وَمَرْسِناً مُسَرَّجَا   
ومن مخالفة القياس اللُّغوي كقوله:
3998 - العَـلِـيِّ الأَجْـلَـلِ   
وخلوص الكلام منن ضعف التأليف كقوله:
3999 - جَـزَى رَبُّـهُ عَنِّـي عَـدِيَّ بْـنَ حَاتِـمٍ   
ومن تنافر الكلمات كقوله:
4000 - وَقَبْرُ حَرْبٍ بِمَكَـانِ قَفْرٍ   وَلَيْسَ قُرْبَ قَبْرِ حَرْبٍ قَبْـرُ
ومن التعقيد وهو إما إخلال نظم الكلام فلا يُدْرَى كيف يتوصل إلى معناه، كقوله:
4001 - وَمَا مِثْلُهُ فِي النَّاسِ إلاَّ مُمَلَّكاً   أبُو أُمِّهِ حَيٌّ أَبُوهُ يُقَارِبُه
وإما عدم انتقال الذهب من المعنى الأول إلى المعنى الثاني الذي هو لازمه والمراد به ظاهِراً كقوله:
4002 - سَأَطْلُبُ بَعْدَ الدَّارَ عَنْكُمْ لِتَقْرُبُوا   وَتَسْكُبُ عَيْنَايَ الدُّمُوعَ لِتَجْمُدَا
وخلوص (المتكلم من) النطق بجميع ذلك، فصارت الفصاحة يوصف بها ثلاثة أشياء: الكلمةُ والكلامُ والمتكلمُ، بخلاف البلاغة فإنه لا يوصف بها إلا الأخيران، وهذا ليس (موضع) إيضاحه وإنما ذكرناه تنبيهاً على أصله، ولساناً: تمييز.

قوله " رَِدْءاً " (منصوب) على الحال، والرِّدْءُ: العَوْنُ وهو فعل بمعنى مفعول كالدِّفْء بمعنى المدفوء به، وَرَدَأتُهُ على عدوه أي: أَعنتُهُ عليه، وردأْتُ الحائط: دعمتُهُ بخشبةٍ لِئلاَّ يسقط، وقال النحاس: يقال: رَدَأْتُهُ وَأَرْدَأْتُهُ، وقال سلامة بن جندل:
4003 - وَرِدْئِي كل أَبْيَضَ مَشْرَفيٍّ   شَحِيذَ الحدِّ أبيض ذِي فُلُولِ
وقال آخر:
4004 - ألم تر أنَّ أَصْرَمَ كان رِدْئِي   وَخَيْرُ النَّاسِ في قُلٍّ ومَالِ
وقرأ نافع بغير همزة " رِداً " بالنقل، وأبو جعفر كذلك إلا أنه لم ينوِّنْه، كأنه أجرى الوصل مجرى الوقف، ونافع ليس من قاعدته النقل في كلمة إلاَّ هُنا، وقيل: ليس نَقْلٌ وإنما هو من أردى على كذا، أي: زَادَ، قال:
4005 - وَأَسْمَرَ خَطِّيّاً كَأَنَّ كُعُوبَهُ   نَوَى القَسْبِ قَدْ أَرْدَى ذِرَاعاً على العَشْرِ

السابقالتالي
2 3