الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلَمَّا قَضَىٰ مُوسَى ٱلأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِن جَانِبِ ٱلطُّورِ نَاراً قَالَ لأَهْلِهِ ٱمْكُثُوۤاْ إِنِّيۤ آنَسْتُ نَاراً لَّعَلِّيۤ آتِيكُمْ مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِّنَ ٱلنَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ } * { فَلَمَّآ أَتَاهَا نُودِيَ مِن شَاطِىءِ ٱلْوَادِي ٱلأَيْمَنِ فِي ٱلْبُقْعَةِ ٱلْمُبَارَكَةِ مِنَ ٱلشَّجَرَةِ أَن يٰمُوسَىٰ إِنِّيۤ أَنَا ٱللَّهُ رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ } * { وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَآنٌّ وَلَّىٰ مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يٰمُوسَىٰ أَقْبِلْ وَلاَ تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ ٱلآمِنِينَ } * { ٱسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَآءَ مِنْ غَيْرِ سُوۤءٍ وَٱضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ ٱلرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِن رَّبِّكَ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فَاسِقِينَ }

" آنسَ " أي: أبصر " { مِن جَانِبِ ٱلطُّورِ نَاراً } وكان في البرية في ليلة مظلمة شديدة البرد وأخذ امرأته الطلقُ، فقال { لأَهْلِهِ ٱمْكُثُوۤاْ إِنِّيۤ آنَسْتُ نَاراً لَّعَلِّيۤ آتِيكُمْ مِّنْهَا بِخَبَرٍ } عن الطريق لأنه اكن قد أخطأ الطريق.

قوله " أَوْ جُذْوَةٍ " قرأ حمزة بضم الجيم، وعاصم بالفتح، والباقون بالكسر وهي لغات في العُود الذي في رأسه نار، هذا هو المشهور، قال السُّلَمي:
3991 - حَمَا حُبُّ هذي النَّارِ حُبَّ خَلِيلَتِي   وَحُبُّ الغَوَانِي فهو دُونَ الحُبَاحِبِ
وَبُدِّلْتُ بعدَ المِسْك وَالبَانِ شِقْوَةً   دُخَان الجذَا في رأْسِ أَشْمَطَ شَاحِبِ
وقيده بعضهم فقال: في رأسه نار من غير لهب. قال ابن مُقبل:
3992 - بَاتَتْ حَوَاطِبُ لَيْلَى يَلْتَمسن لَهَا   جِزَالَ الجِذَا غَيْرَ خَوَّارٍ وَلاَ دَعِرِ
الخوَّار الذي يتقصف، والدَّعِرُ الذي فيه لهب. وقد ورد ما يقتضي وجود اللهب فيه، قال الشاعر:
3993 - وَأَلْقَى عَلَى قَبسٍ من النار جُذْوَةً   شديداً عَلَيْها حَرُّها والتِهَابُهَا
وقيل: الجذوة: العودُ الغليظُ سواء كان في رأسه نار أو لم يكن، وليس المراد هنا إلا ما يكون في رأسه نارٌ.

قوله " مِنَ النَّارِ " صفة لـ " جَذْوَة " ولا يجوز تعلقها بـ " آتِيكُم " ، كما تعلق بها " مِنْهَا " ، لأن هذه النار ليست النار المذكورة، والعرب إذا تقدَّمت نكرة وأرادت إعادَتَها أعادَتْها مضمرةً أو معرَّفةً بأل العهدية، وقد جُمِعَ الأمران هنا. " لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ " تستدفئون.

قوله " مِنْ شَاطِىءِ " " مِنْ " لابتداء الغاية، و " الأَيْمَنِ " صفة للشاطىء أو للوادي، والأَيْمَنُ من اليُمْنِ، وهو البَرَكة، أو مِنَ اليمين المعادل لليسار من العضوين، ومعناه على هذا بالنسبة إلى موسى، أي: الَّذي على يمينك دون يسارِك، والشاطىء ضفة الوادي والنهر أي: حافته وطرفه، وكذلك الشَّطُّ والسيف والساحل كلها بمعنى، وجمع الشاطىء " أَشْطاءٌ " قاله الراغب، وشاطأت فلاناً: ماشيته على الشاطىء.

قوله: " فِي البُقْعَة " متعلق (بـ " نُودِيَ " أي) بمحذوف على أنه حال من الشاطىء، وقرأ العامة بضم الباء، وهي اللغة الغالبة، وقرأ مسلمة والأشهب العقيلي بفتحها وهي لغة حكاها أبو زيد قال: سمعتهم يقولون: هذه بقعةٌ طيبة، (ووصف البقعة بكونها مباركة لأنه حصل فيها ابتداء الرسالة، وتكليم الله تعالى إياه).

قوله: " مِنَ الشَّجَرَةِ " هذا بدل من " شَاطِىء " بإعادة العامل، وهو بدل اشتمال، لأن الشجرة كانت ثابتة على الشاطىء كقوله:لَّجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِٱلرَّحْمَـٰنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِّن فِضَّةٍ } [الزخرف: 33].

قوله: { أَن يَٰمُوسَىٰ } هي المفسرة، وجوِّز فيها أن تكون في المخففة، واسمها ضمير الشأن، وجملة النداء مفسرة له، وفيه بُعد.

السابقالتالي
2 3 4