الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَآءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَىٰ رَبِّيۤ أَن يَهْدِيَنِي سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ } * { وَلَمَّا وَرَدَ مَآءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ ٱلنَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ ٱمْرَأَتَينِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لاَ نَسْقِي حَتَّىٰ يُصْدِرَ ٱلرِّعَآءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ } * { فَسَقَىٰ لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّىٰ إِلَى ٱلظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَآ أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ } * { فَجَآءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى ٱسْتِحْيَآءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَآءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ ٱلْقَصَصَ قَالَ لاَ تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ } * { قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يٰأَبَتِ ٱسْتَئْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ ٱسْتَئْجَرْتَ ٱلْقَوِيُّ ٱلأَمِينُ } * { قَالَ إِنِّيۤ أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ٱبْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَىٰ أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِندِكَ وَمَآ أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ } * { قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا ٱلأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلاَ عُدْوَانَ عَلَيَّ وَٱللَّهُ عَلَىٰ مَا نَقُولُ وَكِيلٌ }

قوله: { وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَآءَ مَدْيَنَ } أي: قصد نحوها ماضياً إليها، يقال: داره تلقاه دار فلان، إذا كانت محاذيتها وأصله من اللقاء، قال الزجاج: أي: سلك الطريق الذي تلقاء مدين فيها. قال ابن عباس: خرج وما قصد مدين ولكنه سلم نفسه إلى الله ومشى من غير معرفة فأسلمه الله إلى مدين، وقيل: وقع في نفسه أن بينهم وبينه قرابة؛ لأنهم من ولد مدين بن إبراهيم وكان من بني إسرائيل، سميت البلدة باسمه فخرج ولم يكن له علم بالطريق بل اعتمد على الله، وقيل: جاءه جبريل عليه السلام، وعلمه الطريق.

قال ابن إسحاق: خرج من مصر إلى مدين خائفاً بلا زاد ولا ظهر وبينهما مسيرة ثمانية أيام ولم يكن له طعام إلا ورق الشجر. { قَالَ عَسَىٰ رَبِّيۤ أَن يَهْدِيَنِي سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ } ، أي: قصد الطريق إلى مدين.

قوله: { وَلَمَّا وَرَدَ مَآءَ مَدْيَنَ } وهو الماء الذي يستقون منه وهو بئر، ووروده: مجيئه، والوصول إليه، " وَجَدَ عليه " أي: على شفيره ( " أمَّةً " جماعة كثيفة العدد " مِنَ النَّاسِ " مختلفين " يَسْقُونَ " منها مواشيهم)، { وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ } أي: سوى الجماعة، وقيل: في مكان أسفل من مكانهم.

قوله: " امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ " فـ " تذودان " صفة لـ " امْرَأَتِيْنِ " لا مفعول ثان، لأَنَّ " وَجَدَ " بمعنى: لقي، والذَّودُ، الطرد والدفع، قال:
3985 - فَقَامَ يَذُودُ النَّاسَ عَنْهَا بِسَيْفِهِ   
وقيل: حبس: ومفعوله محذوف، أي: يَذُودانِ النَّاسَ عن غَنمهما، أو عن مزاحمة الناس، وقال الزمخشري: لم ترك المفعول غير مذكور في " يَسْقُونَ " و " تَذُودَانِ " و " لاَ نَسْقِي " ، قُلتُ: لأنَّ الغرض هو الفعل لا المفعول، وكذلك قَوْلهُمَا: { لاَ نَسْقِي حَتَّىٰ يُصْدِرَ ٱلرِّعَآءُ } المقصود منه السَّقي لا المَسْقِيّ.

فصل

واختلفوا في السبب المقتضي لذلك الحبس، فقال الزجاج: لئلا تختلط أغنامهما بأغنامهم، وقيل: لئلا يختلطن بالرجال، وقيل: كانتا تذودان عن وجوههما نظر الرجال لتسترهما، وقيل: تذودان الناس عن غنمهما، وقال الفراء: يحبسانها لئلا تتفرق وتتسرب، وقيل: تذودان أي: معهما قطيع من الغنم، والقطيع من الغنم يسمى: ذوداً، وكذلك قطيع البقرب وقطيع الإبل. قال عليه السلام: " لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ صَدَقَة " وقال الشاعر:
3986 - ثَلاَثَةُ أَنْفُسٍ، وَثَلاَثُ ذَوْدٍ   لَقَدْ جَارَ الزَّمَانُ عَلَى عِيَالِي
قوله: " مَا خَطْبكُمَا " تقدم في طه، وقال الزمخشري: هنا حقيقته: مَا مخطُوبُكما؟ أي: ما مطلُوبُكُمَا من الذياد؟ فسمي المخطُوب خطباً كما سمي المشئُونُ شأْناً في قولك: ما شأنُكَ؟ يقال: شَأنْتُ شَأْنَهُ، أي: قَصَدْتُ قَصْدَه. وقال ابن عطية: السؤال بالخطب إنما هو في مُصَاب أو مُضطهد أو مَنْ يُشْفقُ عليه أو يأتي بمنكر من الأمر.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8