الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ فَأَصْبَحَ فِي ٱلْمَدِينَةِ خَآئِفاً يَتَرَقَّبُ فَإِذَا ٱلَّذِي ٱسْتَنْصَرَهُ بِٱلأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قَالَ لَهُ مُوسَىٰ إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُّبِينٌ } * { فَلَمَّآ أَنْ أَرَادَ أَن يَبْطِشَ بِٱلَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَّهُمَا قَالَ يٰمُوسَىٰ أَتُرِيدُ أَن تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْساً بِٱلأَمْسِ إِن تُرِيدُ إِلاَّ أَن تَكُونَ جَبَّاراً فِي ٱلأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَن تَكُونَ مِنَ ٱلْمُصْلِحِينَ } * { وَجَآءَ رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَا ٱلْمَدِينَةِ يَسْعَىٰ قَالَ يٰمُوسَىٰ إِنَّ ٱلْمَلأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَٱخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ ٱلنَّاصِحِينَ } * { فَخَرَجَ مِنْهَا خَآئِفاً يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ }

قوله: { فَأَصْبَحَ فِي ٱلْمَدِينَةِ } التي قتل فيها القبطي " خَائِفاً " الظاهر أنه خبر " أصبح " ، و " فِي المَدِينَةِ " مفعول به، ويجوز أن يكون حالاً، والخبر " فِي المَدِينَةِ " ، ويضعف تمام " أَصْبَحَ " أي: دخل في الصباح.

قوله: " يَتَرَقَّبُ " يجوز أن يكون خبراً ثانياً، وأن يكون حالاً ثانيةً، وأن يكون بدلاً من الحال (الأولى)، أو الخبر الأول، أو حالاً من الضمير في " خَائفاً " فتكون متداخلة، ومفعول " يَتَرَقَّبُ " محذوف، أي: يترقب المكروه، أو الفرج، أو الخبر: هل وصل لفرعون أم لا؟ قوله: " فَإِذَا الَّذِي " " إِذَا " فجائية، و " الَّذِي " مبتدأ وخبره إمَّا " إذَا " فـ " يَسْتَصْرِخُهُ " حال، وإمَّا " يَسْتَصْرِخُهُ " فـ " إِذَا " فضله على بابها، و " بِالأَمْسِ " معرب، لأنه متى دخلت عليه " ال " أو أضيف أعرب، ومتى عَرِيَ منها فحاله معروفٌ، الحجاز يبنونه، والتميميون يمنعونه الصرف، كقوله:
3981 - لَقَدْ رَأَيْتُ عَجَباً مُذْ أَمْسَا   
على أنه قد بُنِيَ مع " ال " ندوراً، كقوله:
3982 - وَإِنِّي حُبِسْتُ اليَوْمَ والأَمْسِ قَبْلَهُ   إِلَى الشَّمْسِ حَتَّى كَادَتِ الشَّمْسُ تَغْرُبُ
يروى بكسر السين.

قوله: { قَالَ لَهُ مُوسَىٰ } الضمير قيل للإسرائيلي، لأنه كان سبباً في الفتنة الأولى، وقيل للقبطي، وذلك أنَّ موسى لما أصبح خائفاً من قتل القبطي " يَتَرَقَّب " ينتظر سوءاً، والترقب انتظار المكروه. قال الكلبي: ينتظر متى يؤخذ به، { فَإِذَا ٱلَّذِي ٱسْتَنْصَرَهُ بِٱلأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ } يستغيثه ويصيح به من بعد، قال ابن عباس: أتى فرعون فقيل له: إنَّ بني إسرائيل قتلوا مِنَّا رجلاً فخذ لنا بحقنا، فقالوا ابغوا لي قاتله ومن يشهد عليه (فلا تنسبوني أن أقضي) بغير بينة، فبينما هم يطوفون لا يجدون بيّنة إذ مَرَّ مُوسَى من الغد، فرأى ذلك الإسرائيلي يقاتل فرعونياً، فاستغاثه على الفرعوني، فصادف موسى وقد ندم على ما كان منه بالأمس من قتل القبطي، فقال موسى للإسرائيلي: { إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُّبِينٌ } (أي: ظاهر الغواية). قال أهل اللغة: " لَغَوِيٌّ " يجوز أن يكون فَعِيلاً بمعنى مفعل، أي: إنَّك لمغويّ، فإنِّي وقعتُ بالأمس فيما وقعت فيه بسببك، ويجوز أن يكون بمعنى الغاوي: قاتلت رجلاً بالأمس فقتلته بسببك، وتقاتل اليوم آخر، وتستغيثني عليه، وقيل: إنما قال موسى للفرعوني: { إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُّبِينٌ } بظلمك، والأكثرون على الأول.

قوله: { فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَنْ يَبْطِشَ } الظاهر أنَّ الضميرين لموسى، وقيل للإسرائيلي، والعدو: هو القبطي، والضمير في { قَالَ يٰمُوسَىٰ } للإسرائيلي، كأنه توهم من موسى مخاشنة، فَمِنْ ثمَّ قال ذلك، وبهذا فشا خبره وكان مشكوكاً في قاتله.

السابقالتالي
2