الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَٱسْتَوَىٰ آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ } * { وَدَخَلَ ٱلْمَدِينَةَ عَلَىٰ حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلاَنِ هَـٰذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَـٰذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَٱسْتَغَاثَهُ ٱلَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى ٱلَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَىٰ فَقَضَىٰ عَلَيْهِ قَالَ هَـٰذَا مِنْ عَمَلِ ٱلشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ } * { قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَٱغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ } * { قَالَ رَبِّ بِمَآ أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِّلْمُجْرِمِينَ }

قوله: { وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ } تقدم الكلام عليه، " وَاسْتَوَى " أي: بلغ أربعين سنة - (قاله ابن عباس -) وقيل: استوى: انتهى شبابه، { آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً } أي: الفقه والعقل والعلم في الدين، فعلم موسى وحكم قبل أَنْ يبعث نبياً، { وَكَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ } ، وهذا يدل على أنه ليس المراد بالحكم النبوة، لأنه جعل إيتاءه الحكم والعلم مجازاة على إحسانه، والنبوة لا تكون جزاء على العمل.

قوله: " وَدَخَلَ المَدِينَة " أي: ودخل موسى المدينة. قال السدي: مدينة منف من أرض مصر، وقال مقاتل: قرية تدعى حانين على (رأس) فرسخين من مصر، وقيل: عين شمس، قوله: { عَلَىٰ حِينِ غَفْلَةٍ } في موضع الحال إمّا من الفاعل أي: كائناً على حين غَفْلَة، أي: مُستخفياً، وإِمَّا من المفعول، وقرأ أبو طالب القارىء " عَلَى حِينَ " بفتح النون، وتكلَّفَ أبو حيان تخريجها على أنه حمل المصدر على الفعل في أنه إذا أضيف الظرف إليه جاز بناؤه على الفتح، كقوله:
3977 - عَلَى حِينَ عَاتَبْتُ المَشِيبَ عَلَى الصِّبَا   
و " مِنْ أَهْلِهَا " صفة لـ " غَفْلَةٍ " ، أي: صادرة من أهلها.

فصل

اختلفوا في السبب الذي لأجله دخل موسى المدينة على حين غفلة من أهلها، فقال السُّدِّي: إن موسى كان يسمى ابن فرعون، فكان يركب في مراكب فرعون، ويلبس مثل ملابسه، فركب فرعون يوماً وليس عنده موسى، فلما جاء موسى قيل له: إن فرعون قد ركب، فركب في أثره، فأدركه المقيل بأرض منف، فدخلها نصف النهار وليس في طرقها أحد, فذلك { عَلَىٰ حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا }. وقال ابن إسحاق: كان لموسى شيعة من بني إسرائيل يسمعون منه ويقتدون به، فلما عرف ما هو عليه من الحق فارق فرعون وقومه وخالفهم في دينهم حتى ذكر ذلك منه، وأخافوه وخافهم، فكان لا يدخل قرية إلا خائفاً مستخفياً.

وقال ابن زيد: إِنَّ موسى ضرب رأس فرعون ونتف لحيته، فأراد فرعون قتله، فقالت امرأته: هو صغير، جِىءْ بجمرة فأخذها فطرحها في فيه، فبها عقد لسانه، فقال فرعون: لا أقتله، ولكن أخرجوه عن الدار والبلد، فأخرج ولم يدخل عليها حتى كبر، فدخل { عَلَىٰ حِينِ غَفْلَةٍ }.

قوله " يَقْتتلانِ " صفة لـ " رَجُلَيْنِ " ، وقال ابن عطية: حالٌ منهما، وسيبويه - وإن كان جوَّزها من النكرة مطلقاً - إلاَّ أَنَّ الأكثر يشترطون فيها ما يُسوِّغُ الابتداء بها.

وقرأ نعيمُ بن ميسرة " يقتلان " بالإدغام، نقل فتحة التاء الأولى إلى القاف وأدغم. قوله { هَـٰذَا مِن شِيعَتِهِ } مبتدأ وخبر في موضع الصفة لـ " رَجُلَيْنِ " ، أو الحال من الضمير في " يَقْتتلانِ " وهو بعيدٌ لعدمِ انتِقالهَا.

السابقالتالي
2 3 4