الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَىٰ فَارِغاً إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلاۤ أَن رَّبَطْنَا عَلَىٰ قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } * { وَقَالَتْ لأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ }

قوله: { وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَىٰ فَارِغاً } (قال الحسن: فَارِغاً) من كل همٍّ إِلاَّ همَّ موسى. وقال أبو مسلم: فراغ الفؤاد هو الخوف والإشغاف، كقوله:وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَآءٌ } [إبراهيم: 43].

وقال الزمخشري: فارغاً صفراً من العقل، والمعنى أنها حين سمعت بوقوعه في يد فرعون طار عقلها من فرط الجزع والخوف. وقال الحسن ومحمد بن إسحاق فارغاً من الوحي الذي أوحينا إليها أنفَأَلْقِيهِ فِي ٱليَمِّ وَلاَ تَخَافِي وَلاَ تَحْزَنِيۤ إِنَّا رَآدُّوهُ إِلَيْكِ } [القصص: 7] فجاءها الشيطان وقال لها: كرهت أن يقتل فرعون ولدك فيكون لك أجراً وثواباً، وتوليت أنتِ قتله، فألقيته في البحر، وأغرقتيه، ولمَّا أتاها خبر موسى أنه وقع في يد فرعون فأنساها عظيم البلاء ما كان من عهد الله إليها. وقال أبو عبيدة: فراغاً من الحزن لعلمها بأنه لا يقتل، اعتماداً على تكفل الله بمصلحته. قال ابن قتيبة: وهذا من العجائب، كيف يكون فؤادها فارغاً من الحزن، والله تعالى يقول: { لَوْلاۤ أَن رَّبَطْنَا عَلَىٰ قَلْبِهَا }؟ وهل يُرْبَط إلا على قلب الجازع المحزون؟ ويمكن أن يجاب عنه بأنه لا يمتنع أنها لشدة ثقتها بوعد الله جاز عندها إظهار عدم الحزن، وأيقنت إنها – وإن أظهرت ذلك – فإنه يسلم لأجل ذلك الوعد. إلا أنه كان في المعلوم أن الإظهار (يضر فربط) الله على قلبها. قال المعربون: " فارغاً " خبر أصبح أي: فارغاً من العقل، أو من الصبر، أو من الحزن، وهو أبعدها، ويردُّه قراءاتٌ تُخَالفُه. فقرأ فضالة والحسن " فَزِعاً " بالزاي من الفزع، وابن عباس " قَرِعاً " بالقاف وكسر الراء وسكونها، من قَرَعَ رأسهُ إذا انحسر شعرُهُ، (والمعنى: خلا من كُلِّ شيء، وانحَسَرَ عنهُ كُلُّ شَيءٍ إلا ذِكر موسى، وقيل: الساكن الراء مصدر قَرَعَ يَقْرَع، أي: أُصيب، وقرىء " فِرغاً " بكسر الفاء وسكون الراء، والغين معجمة أي: هدراً، كقوله):
3975 – فَإِنْ يَكُ قَتْلَى قَدْ أُصِيبَتْ نُفُوسُهُمْ   فَلَنْ يَذْهَبُوا فِرْغاً بِقَتْلِ حِبَالِ
فِرْغاً حال من " بِقَتْلِ " ، وقرأ الخليل " فُرُغاً " بضم الفاء وإعجام الغين من هذا المعنى، ومنه قولهم دماهم بينهم فرغ أي: هدر.

قوله: { إِن كَادَتْ لَتُبْدِي } " إِنْ " إما مخففة، وإما نافية، واللام إمَّا فارقة وإمَّا بمعنى إلاَّ والباء في " بِهِ (مزيدة في المفعول، أي: لتُظْهِرَهُ، وقيل: ليست زائدة بل سببية، والمفعول محذوف، أي: لتُبْدِي القَولَ بسبب موسى أو بسبب الوحي. فالهاء يجوز أن تكون) راجعة إلى موسى، أي: إن كادت لتبدي به أنه ابنها من شدة وجدها: وقال عكرمة عن ابن عباس: كادت تقول: واابناه حين رأت الموج يرفع التابوت ويضعه.

وقال الكلبي: كادت تظهر أنه ابنها حين سمعت الناس يقولون: إنه ابن فرعون.

السابقالتالي
2