الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَإِذَا كُنَّا تُرَاباً وَآبَآؤُنَآ أَإِنَّا لَمُخْرَجُونَ } * { لَقَدْ وُعِدْنَا هَـٰذَا نَحْنُ وَآبَآؤُنَا مِن قَبْلُ إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ } * { قُلْ سِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَٱنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلْمُجْرِمِينَ } * { وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُن فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ } * { وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } * { قُلْ عَسَىٰ أَن يَكُونَ رَدِفَ لَكُم بَعْضُ ٱلَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ } * { وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلنَّاسِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَشْكُرُونَ } * { وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ } * { وَمَا مِنْ غَآئِبَةٍ فِي ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ }

قوله: { وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ } يعني مشركي مكة، " أَئِذَا " تقدم الكلام في الاستفهامين إذا اجتمعا في سورة الرعد. والعامل في " إِذَا " محذوف يدلّ عليه " لَمُخْرجُونَ " تقديره: نبعث ونخرج, ولا يجوز أن يعمل فيها " مُخْرجُونَ " لثلاثة موانع: الاستفهام، وأنّ، ولام الابتداء، وفي لام الابتداء في خبر إنّ خلاف، وذكر الزمخشري هنا عبارة حُلوة، فقال: لأنّ بين يدي عمل اسم الفاعل فيها عقاباً، وهي همزة الاستفهام، وإن، ولام الابتداء، وواحدة منها كافية، فكيف إذا اجتمعن؟ وقال أيضاً: فإنْ قلت: لم قَدّم في هذه الآية " هذَا " على " نَحْنُ وآبَاؤُنَا " وفي آية أخرى قدّم " نَحْنُ وَآبَاؤُنَا " على " هَذَا "؟ قلت: التقديم دليل على أن المقدّم هو المعنى المعتمد بالذكر وأن الكلام إنّما سيق لأجله: ففي إحدى الآيتين دلّ على اتخاذ البعث الذي هو يعمد بالكلام، وفي الأخرى على اتخاذ المبعوث بذلك الصدد. و " آبَاؤُنَا " عطف على اسم كان، وقام الفصل بالخبر مقام الفصل بالتوكيد.

فصل

" إِنَّا لَمُخْرَجُونَ " من قبورنا أحياء، { لَقَدْ وُعِدْنَا هَـٰذَا نَحْنُ وَآبَآؤُنَا مِن قَبْلُ } أي: من قبل محمد: وليس ذلك بشيء، " إِنْ هذَا " ما هذَا، { إِلاَّ أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ } أحاديثهم وأكاذيبهم التي كتبوها، { قُلْ سِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَاْنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُجْرِمِينَ }. فإن قيل: لِمَ لَمْ يقل (كيف كانت) عاقبة المجرمين؟ فالجواب أنّ تأنيثها غير حقيقي، ولأنّ المعنى: كيف كان آخر أمرهم؟. فإن قيل: لِمَ لَمْ يقل عاقبة الكافرين؟ فالجواب: أنّ هذا يحصل في التخويف لكل العصاة. ثم إنّه تعالى صبّر رسوله - صلى الله عليه وسلم - على ما يناله من الكفار، فقال: { وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ } على تكذيبهم إيّاك، { وَلاَ تَكُن فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ } نزلت في المستهزئين الذين اقتسموا أعقاب مكة، و " الضِّيقُ ": الحرج، يقال: ضاق الشيء ضَيقاً وضِيقاً بالفتح والكسر. { وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } ذكروا ذلك على سبيل السخرية فأجاب الله تعالى بقوله: { عَسَىٰ أَن يَكُونَ رَدِفَ }.

قوله: " رَدِفَ لَكُمْ " فيه أوجه:

أظهرها: أنَّ " رَدِفَ " ضُمّن معنى فعل يتعدى باللام، أي: دَنا وقرب وأزف، وبهذا فسّره ابن عباس، و " بَعْضُ الَّذِي " فاعلٌ به، وقد عدّي بـ (من) أيضاً على تضمنه معنى " دَنَا " ، قال:
3970 - فَلَمَّا رَدِفْنَا مِن عُمَيْرٍ وَصَحْبِهِ   تَوَلَّوْا سِرَاعاً وَالمَنِيَّةُ تَعْنِقُ
أي: دنونا من عمير.

والثاني: أنّ مفعوله محذوف واللام للعلّة: أي: ردف الخلق لأجلكم ولشؤمكم.

الثالث: أنّ اللام مزيدة في المفعول تأكيداً كزيادتها في قوله:

السابقالتالي
2