الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ قُل لاَّ يَعْلَمُ مَن فِي ٱلسَّمَٰوٰتِ وٱلأَرْضِ ٱلْغَيْبَ إِلاَّ ٱللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ } * { بَلِ ٱدَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِّنْهَا بَلْ هُم مِّنْهَا عَمُونَ }

قوله (تعالى: { قُل) لاَّ يَعْلَمُ مَن فِي ٱلسَّمَاواتِ وٱلأَرْضِ ٱلْغَيْبَ إِلاَّ ٱللَّهُ } لما بين أنه مختص بالقدرة، بين أنه المختص بعلم الغيب، وإذا ثبت ذلك، ثبت أنه الإله المعبود.

وفي هذا الاستثناء أوجه:

أحدها: أنه فاعل " يعلم " ، و " من " مفعوله، و " الغيب " بدل من " من في السموات " أي: لا يعلم غيب من في السموات والأرض إلا الله، أي: الأشياء الغائبة التي تحدث في العالم، وهو وجه غريب ذكره أبو حيان.

الثاني: أنه مستثنى متصل من " من " ، ولكن لا بد من الجمع بين الحقيقة والمجاز في كلمة واحدة على هذا الوجه، وبيانه أن الظرفية المستفادة من " مَنْ في " حقيقة بالنسبة إلى غير الله تعالى، ومجاز بالنسبة إلى الله تعالى بمعنى: أن علمه في السموات والأرض فيندرج (في) { مَن فِي ٱلسَّمَاواتِ وٱلأَرْضِ } بهذا الاعتبار، وهو مجاز، وغيره من مخلوقاته في السموات والأرض حقيقة، فبذلك الاندراج المؤول استثني من " مَنْ " ، وكان الرفع على البدل أولى، (لأن الكلام غير موجب، قال مكي: الرفع في اسم الله - عز وجل - على البدل) من من.

ورد الزمخشري هذا بأنه جمع بين الحقيقة والمجاز وأوجب أن يكون منقطعاً، فقال: فإن قلت: لم رفع اسم الله، والله يتعالى أن يكون ممن في السموات والأرض؟ قلت: جاء على لغة بني تميم، حيث يقولون: ما في الدار أحد إلا حمار، يريدون: ما فيها إلا حمار، كأنَّ أحداً لم يذكر، ومنه قوله:
3969 - عَشِيَّةَ مَا تُغْنِي الرِّمَاحُ مَكَانَهَا   وَلاَ النَّبْلُ إلاَّ المَشْرَفِيُّ المُصَمِّمُ
وقولهم: ما أتاني زيد " إلا عمرو " ، وما أعانني أخوانكم إلا إخوانه، فإن قلت: ما الداعي إلى اختيار المذهب التميمي على الحجازي؟ قلت: دعيت إليه نكتة سرية، حيث أخرج المستثنى مخرج قوله: إلاَّ اليَعَافِيرُ، بعد قوله: لَيْسَ بِهَا أنِيس: ليؤول المعنى إلى قولك: إن كان الله ممن في السموات والأرض، فهم يعلمون الغيب يعني أن علمهم الغيب - في استحالته - كاستحالة أن يكون الله منهم، كما أن معنى " ما في البيت " إن كانت اليعافير أنيساً ففيها أنيس بتّاً للقول بخلوها من الأنيس. فإن قلت: هلا زعمت أن الله ممن في السموات والأرض، كما يقول المتكلمون: " إن الله في كل مكان " على معنى: أن علمه في الأماكن كلها، فكأن ذاته فيها حتى لا يحمل على مذهب بني تميم؟ قلت: يأبى ذلك أن كونه في السموات والأرض مجاز، وكونهم فيهن حقيقة، وإرادة المتكلم بعبارة واحدة حقيقة ومجازاً غير صحيح، على أن قولك: من في السموات والأرض، وجمعك بينه وبينهم في إطلاق اسم واحد فيه إيهام وتسوية، والإيهامات مزالة عنه وعن صفاته، ألا ترى كيف قال عليه السلام لمن قال: ومن يعصهما فقد غوى:

السابقالتالي
2 3 4