الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلِ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلاَمٌ عَلَىٰ عِبَادِهِ ٱلَّذِينَ ٱصْطَفَىٰ ءَآللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ } * { أَمَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُمْ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَآئِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُواْ شَجَرَهَا أَإِلَـٰهٌ مَّعَ ٱللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ }

قوله تعالى: { قُلِ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ } الآية، العامة على كسر لام قل، لالتقاء الساكنين، وأبو السمال بفتحها تخفيفاً، وكذا في قوله:وَقُلِ ٱلْحَمْدُ للَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ } [النمل: 93]، " وَسَلاَمٌ ": مبتدأ، سوَّغ الابتداء به كونه دعاء.

فصل

المعنى: " الحمد لله " على هلاكهم، وهذا خطاب لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر أن يحمد الله على هلاك كفار الأمم الخالية، و { وَسَلاَمٌ عَلَىٰ عِبَادِهِ ٱلَّذِينَ ٱصْطَفَىٰ } بأن أرسلهم ونجّاهم. وقيل: هذا كلام مبتدأ، فإنه تعالى لما ذكر أحوال الأنبياء - عليهم السلام - وكان محمد - عليه السلام - كالمخالف لمن قبله - في العذاب؛ لأن عذاب الاستئصال مرتفع عن قومه - أمره الله تعالى بأن يشكر ربّه على ما خصّه به من هذه النعم، وبأن يسلم على الأنبياء الذين صبروا على مشاق الرسالة.

قوله: { وَسَلاَمٌ عَلَىٰ عِبَادِهِ ٱلَّذِينَ ٱصْطَفَىٰ } قال مقاتل: هم الأنبياء والمرسلون بدليل قوله تعالى:وَسَلاَمٌ عَلَىٰ ٱلْمُرْسَلِينَ } [الصافات: 181]. وقال ابن عباس - في رواية أبي مالك - هم أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - وقال الكلبي: هم أمة محمد وقيل: هم كل المؤمنين من السابقين واللاحقين.

قوله: " أَمّا " أمْ هذه متصلة عاطفة، لاستكمال شروطها، والتقدير: أَيُّهُمَا خَيْرٌ، و " خَيْرٌ " إمَّا تفضيل - على زعم الكفار - وإلزام الخصم، أو صفةٌ لا تفضيل فيها. و " مَا " في " أَمْ مَا " بمعنى الذي، وقيل: مصدرية، وذلك على حذف مضاف من الأول، أي أتوحيد الله خير أم شرككم؟ وقرأ أبو عمرو وعاصم: " أَمَّا يُشْرِكُونَ " بالغيبة حملاً على ما قبله من قوله: " وَأَمْطَرنَا عَلَيْهِمْ " ، وما بعده من قوله: " بَلْ أَكْثَرَهُمْ " ، والباقون على الخطاب، وهو التفات للكفار، بعد خطاب نبيه - عليه السلام - وهذا تبكيت للمشركين بحالهم، لأنهم آثروا عبادة الأصنام على عبادة الله تعالى، ولا يؤثر عاقل شيئاًعلى شيء إلا لزيادة خير ومنفعة، فقيل لهم هذا الكلام تنبياً لهم على نهاية ضلالهم وجهلهم، وروي أنّ رسول - صلى الله عليه وسلم - كان إذا قرأها قال: " بل الله خير وأبقى وأجل وأكرم ".

قوله: " أَمَّن خَلَقَ " " أَمْ " هذه منقطعة، لعدم تقدّم همزة الاستفهام ولا تسوية، و " مَنْ خَلَقَ " مبتدأ وخبره محذوف، فقدَّره الزمخشري: خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ، فقدر ما أثبت في الاستفهام الأوّل، وهو حَسَنٌ، وقَدَّرَهُ ابن عطية: يُكفَر بنعمته ويُشْرك به، ونحو هذا من المعنى. وقال أبو الفضل الرازي: لا بُدَّ من إضمار جملة معادلة، وصار ذلك المضمر كالمنطوق لدلالة الفحوى عليه، وتقدير تلك الجملة: أم مَّنْ خَلَقَ السَّمَواتِ والأَرْض كَمَنْ لَمْ يَخْلُقُ؟ وكذلك أخواتها، وقد أُظْهِرَ في غير هذه المواضع ما أُضْمِر فيها، كقوله:

السابقالتالي
2