الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ يٰأَيُّهَا ٱلْمَلأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ } * { قَالَ عِفْرِيتٌ مِّن ٱلْجِنِّ أَنَاْ آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ } * { قَالَ ٱلَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ ٱلْكِتَابِ أَنَاْ آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرّاً عِندَهُ قَالَ هَـٰذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِيۤ أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ }

قال ابن عباس: طائعين، واختلفوا في السبب الذي لأجله أمر سليمان بإحضار عرشها، فقال أكثرهم: لأن سليمان علم أنها إن أسلمت يحرم عليها مالها، فأراد أن يأخذ سريرها قبل أن يحرم عليه أخذه بإسلامها، وقيل: ليريها قدرة الله تعالى وعظيم سلطانه في معجزة يأتي بها في عرشها. وقال قتادة: لأنه أعجبه صفته لما وصفه الهدهد، فأحب أن يراه. وقال ابن زيد: أراد أن يأمر بتنكيرها وتغييرها، فيختبر بذلك عقلها، ويؤيد ذلك قوله تعالى:نَكِّرُواْ لَهَا عَرْشَهَا نَنظُرْ أَتَهْتَدِيۤ } [النمل: 41].

قوله: " قَالَ عِفْرِيتٌ " العامة على كسر العين وسكون الفاء بعدها تاء مجبورة.

وقرأ أبو حيوة: بفتح العين، وأبو رجاء وأبو السمال - ورويت عن أبي بكر الصديق - " عفرية " مفتوحة بعدها تاء التأنيث المنقلبة هاء وقفاً، وأنشدوا على ذلك قول ذي الرمة:
3962 - كَأَنَّهُ كَوْكَبٌ فِي إِثْرِ عِفْرِيَةٍ   مَصَوَّبٌ فِي سَوَادِ اللَّيْلِ مُنْقَضِبُ
وقرأت طائفة " عِفْر " بحذف الياء والتاء، فهذه أربع قراءات قد قرىء بهن، وفيه لغتان أخريان، وهما: عُفَارِيَّةٌ، وطيّىء وتميم يقولون: عِفْرَى بألف التأنيث كذكرى، واشتقاقه من العفر، وهو التراب، يقال: عافره فعفره أي: صارعه فصرعه وألقاء في العفر وهو التراب. وقيل: من العفر، وهو القوة. والعفريت من الجن المارد الخبيث، ويقال: عفريت نفريت، وهو إتباع كشيطان ليطان، وحسن بسن. ويستعار للعارم من الإنس، ولاشتهار هذه الاستعارة وصف في الآية بكونه من الجن، تمييزاً له. قال ابن قتيبة: العفرية الموثق الخلق. وعفرية الديك والحبارى للشعر الذي على رأسهما. وعَفَرْنَى للقويّ، ورجل عِفِرٌّ - بتشديد الراء - للمبالغة، مثل: شرّ شِمرٌّ. قيل: إِنَّ الشيطان أقوى من الجن، وإن المردة أقوى من الشياطين، وإن العفريت أقوى منهما. قال بعض المفسرين: العفريت من الرجال الخبيث المنكر، وقال ابن عباس: العفريت، الداهية، وقال الربيع: الغليظ، وقال الفراء: القوي الشديد.

قوله: { أَنَاْ آتِيكَ بِهِ } يجوز أن يكون فعلاً مضارعاً، فوزنه أفعل، نحو: أضرب، والأصل: أأتيك - بهمزتين - فأبدلت الثانية ألفاً، وأن يكون اسم فاعل، ووزنه فاعل، والألف زائدة، والهمزة أصلية عكس الأول. وأمال حمزة " آتيك " في الموضعين في هذه السورة بخلاف عن خلاد.

فصل

قوله: { قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ } أي: مجلسك الذي تقضي فيه، قال ابن عباس: كان له في كل غداة مجلس يقضي فيه إلى انتصاف النهار، " وإِنِّي عليهِ " على حمله، " لَقويٌّ أَمين " به على ما فيه من الجواهر، فقال سليمان: أريد أسرع من هذا، فـ { قَالَ ٱلَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ ٱلْكِتَابِ } ، فقيل: هو جبريل - عليه السلام - وقيل: ملك من الملائكة أيَّد الله به نبيه سلمان - عليه السلام - وقال أكثر المفسرين: هو آصف بن برخياء، وكان وزير سليمان، وكان صدّيقاً يعلم اسم الله الأعظم، إذا دعا به أجيب، وقيل: بل هو سليمان نفسه، والمخاطب هو العفريت الذي كلمه، وأراد سليمان - عليه السلام - إظهار معجزة، فتحداهم أولاً، ثم بين للعفريت أنه يتأتى له من سرعة الإتيان بالعرش ما لا يتهيأ للعفريت.

السابقالتالي
2 3