الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَتْ إِنَّ ٱلْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُواْ قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوۤاْ أَعِزَّةَ أَهْلِهَآ أَذِلَّةً وَكَذٰلِكَ يَفْعَلُونَ } * { وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ ٱلْمُرْسَلُونَ } * { فَلَمَّا جَآءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَآ آتَانِيَ ٱللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّآ آتَاكُمْ بَلْ أَنتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ } * { ٱرْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُم بِجُنُودٍ لاَّ قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَآ أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ }

قوله تعالى: { إِنَّ ٱلْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُواْ قَرْيَةً } بالقهر " أَفْسَدُوهَا ": خرّبوها، { وَجَعَلُوۤاْ أَعِزَّةَ أَهْلِهَآ أَذِلَّةً } ، فذكرت لهم عاقبة الحرب، وحذرتهم مسير سليمان إليهم ودخوله بلادهم.

قوله: { وَكَذٰلِكَ يَفْعَلُونَ } أي: مثل ذلك الفعل يفعلون، وهل هذه الجملة من كلامها - وهو الظاهر - فتكون منصوبة بالقول، أو من كلام الله تعالى، فهي استئنافية لا محل لها من الإعراب، وهي معترضة بين قولها.

قوله: { وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ }: ما بعث على وجه الإكرام، وهي اسم للمهدى، فيحتمل أن يكون اسماً صريحاً، ويحتمل أن تكون - في الأصل - (مصدراً أطلق على اسم المفعول، وليست مصدراً قياسياً، لأن الفعل منه: أهدى رباعياً، فقياس) مصدره: إهداء.

فصل

اعلم أنَّ بلقيس كانت امرأة لبيبة قد سيست وساست فقالت للملأ من قومها: { وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ } ، أي: لسليمان وقومه " بِهَديَّةٍ " أصانعه على ملكي وأختبره بها أَمَلِكٌ أَم نبيّ، فإن يكن ملكاً قبل الهديّة وانصرف، وإن يكن نبيّاً لم يقبل الهديّة ولم يرضه منا إلا أن نتبعه على دينه، فذلك قوله: { فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ ٱلْمُرْسَلُونَ } ، (وهذا الكلام يدل على أنّها لم تثق بالقبول وجوّزت الرد، وأرادت أن ينكشف لها غرض سليمان).

قوله: " فَنَاظِرَةٌ " عطف على " مُرْسِلَة " ، و " بم " متعلق بـ " يرجع " ، وقد وهم الحوفي فجعلها متعلقة بـ " نَاظِرَةٌ " ، وهذا لا يستقيم، لأن اسم الاستفهام له صدر الكلام و " بم يرجع " معلق لناظرة.

قوله: { فَلَمَّا جَآءَ سُلَيْمَانَ } أي: فلما جاء الرسول، أضمره لدلالة قولها " مرسِلة " فإنه يستلزم رسولاً، والمراد به الجنس لا حقيقة رسول واحد، بدليل خطابه لهم بالجمع في قوله: " أَتَمِدُّونَنِي.. " إلى آخره، وكذلك قرأ عبد الله: فلما جاءوا، وقرأ: " فارجعوا إليهم " ، اعتباراً بالأصل المشار إليه.

قوله: " أَتُمِدُونَنِي " استفهام إنكار، وقرأ حمزة بإدغام نون الرفع في نون الوقاية، وأما الياء فإنه يحذفها وقفاً، ويثبتها وصلاً على قاعدته في الزوائد، والباقون بنونين - على الأصل - وأما الياء فإن نافعاً وأبا عمرو كحمزة يثبتانها وصلاً ويحذفانها وقفاً، وابن كثير يثبتها في الحالين، والباقون يحذفونها في الحالين.

وروي عن نافع أنه يقرأ بنون واحدة، فتكملت ثلاثة قراءات كما في:تَأْمُرُونِّيۤ أَعْبُدُ } [الزمر: 64].

قال الزمخشري: ما الفرق بين قولك: أتمدونني بمال وأنا أغنى منكم، وبين أن تقوله بالفاء؟ قلت: إذا قلته بالواو فقد جعلت مخاطبي عالماً بزيادتي عليه في الغنى، وهو - مع ذلك - يمدني بالمال، وإذا قلته بالفاء فقد جعلته ممن خفي عليه حالي، وإنما أخبره الساعة بما لا أحتاح معه إلى إمداده، كأني أقول له: أنكر عليك ما فعلت فإني غني عنه، وعليه ورد قوله: { فَمَآ آتَانِي ٱللَّهُ } انتهى.

السابقالتالي
2