الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ } * { أَلاَّ تَعْلُواْ عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ } * { قَالَتْ يٰأَيُّهَا ٱلْمَلأُ أَفْتُونِي فِيۤ أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْراً حَتَّىٰ تَشْهَدُونِ } * { قَالُواْ نَحْنُ أُوْلُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَٱلأَمْرُ إِلَيْكِ فَٱنظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ }

قوله: { إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ } العامة على كسر الهمزتين على الاستئناف جواباً لسؤال قومها، كأنهم قالوا: ممن الكتاب؟ وما فيه؟ فأجابتهم بالجوابين. وقرأ عبد الله: { وَإِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ } بزيادة واو عاطفة { إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ } على قوله:إِنِّيۤ أُلْقِيَ إِلَيَّ } [النمل: 29]. وقرأ عكرمة وابن أبي عبلة بفتح الهمزتين، صرح بذلك الزمخشري وغيره. ولم يذكر أبو البقاء إلا الكسر في { إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ } وكأنه سكت عن الثانية، لأنها معطوفة على الأولى، وفي تخريج الفتح فيهما أوجه:

أحدهما: أنه بدل من " كِتَاب " بدل اشتمال، أو بدل كلٍّ من كلّ، كأنه قيل: ألقي إليَّ أنه من سليمان، وأنه كذا وكذا، وهذا هو الأصح.

والثاني: أنه مرفوع بـ " كَرِيم " ذكره أبو البقاء.

الثالث: أنه على إسقاط حرف العلة.

قال الزمخشري: ويجوز أن يريد لأنه من سليمان ولأنه، كأنها عللت كرمه بكونه من سليمان وتصديره باسم الله. وقال مكي: وأجاز الفراء الفتح فيهما في الكلام، كأنه لم يطلع على أنها قراءة وقرأ أُبيّ: أنْ من سليمان وأنْ بسم الله بسكون النون فيهما، وفيها وجهان:

أظهرهما: أنها " أن " المفسرة، لتقدم ما هو بمعنى القول.

والثاني: أنها المخففة واسمها محذوف، وهذا لا يتمشى على أصول البصريين؛ لأن اسمها لا يكون إلا ضمير شأن وضمير الشأن لا يفسر إلا بجملة مصرح بجزئيها.

فصل

قال المفسرون: أخذ الهدهد هذا الكتاب، وأتى به إلى بلقيس، وكان بأرض يقال لها: " مأرب " من صنعاء، فرمى بالكتاب إليها، فأخذته بلقيس، وكانت قارئة، ومن ثم اتخذ الناس البطائق، فلما رأت الخاتم أرعدت وخضعت، لأن ملك سليمان كان في خاتمه، وعرفت أن الذي أرسل الكتاب أعظم ملكاً منها، لطاعة الطير وهيبة الخاتم، فقرأت الكتاب وتأخر الهدهد غير بعيد، فقعدت على سرير ملكها، وجمعت الملأ من قومها، وقالت لهم:إِنِّيۤ أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ } [النمل: 29] قال عطاء والضحاك: سمته كريماً، لأنه كان مختوماً.

وروى ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: " كرمه ختمه " وقال مقاتل والزجاج: كريم أي: حسن ما فيه، وروي عن ابن عباس أي: شريف لشرف صاحبه.

وقيل سمته كريماً، لأنه مصدر بـ " بسم الله الرحمن الرحيم " ، ثم بينت ممن الكتاب، فقالت: { إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ } ، وبينت المكتوب فقالت: { وَإِنَّهُ بِسْمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ }. فإن قيل: لم قدم سليمان اسمه على قوله: { بِسْمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ }؟

فالجواب: حاشاه من ذلك، بل ابتدأ الكتاب بـ { بِسْمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ } ، وإنما كتب اسمه عنواناً بعد ختمه، لأن بلقيس إنما عرفت كونه من سليمان بقراءة عنوانه كما هو المعهود، ولذلك قالت: { وَإِنَّهُ بِسْمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ } ، أي: إنّ الكتاب.

السابقالتالي
2 3 4 5 6