الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱللَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ ٱلْعَرْشِ ٱلْعَظِيمِ } * { قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ ٱلْكَاذِبِينَ } * { ٱذْهَب بِّكِتَابِي هَـٰذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَٱنْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ } * { قَالَتْ يٰأَيُّهَا ٱلْمَلأُ إِنِّيۤ أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ }

قوله تعالى: { ٱللَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } هل هو من كلام الهدهد استدراكاً منه لمَّا وصف عرش بلقيس بالعظم، أو من كلام الله تعالى رَدّاً عليه في وصفه عرشها بالعظم. والعامة على جر " العَظِيمِ " تابعاً للجلالة، وابن محيصن، بالرفع وهو يحتمل وجهين: أن يكون نعتاً للربّ، وأن يكون مقطوعاً عن تبعيَّةِ " العرش " إلى الرفع بإضمار مبتدأ.

فصل

دلّ قوله:يُخْرِجُ ٱلْخَبْءَ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ } [النمل: 25] على كمال القدرة، وسمي المخبوء بالمصدر ليتناول جميع الأرزاق والأموال، فدلَّ قوله:وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ } [النمل: 25] على كمال العلم، وإذا كان قادراً على كل المقدرات عالماً بكل المعلومات، وجب أن يكون إلهاً، والشمس ليست كذلك، فلا تكون إلهاً، وإذا لم تكن إلهاً، لم تستحق العبادة. فإن قيل: إنَّ إبراهيم وموسى عليهما السلام قدما دلالة الأنفس على دلالة الآفاق، فإِنَّ إبراهيم قال:رَبِّيَ ٱلَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ } [البقرة: 258]، ثم قال:فَإِنَّ ٱللَّهَ يَأْتِي بِٱلشَّمْسِ مِنَ ٱلْمَشْرِقِ } [البقرة: 258]، وموسى - عليه السلام - قالرَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَآئِكُمُ ٱلأَوَّلِينَ } [الشعراء: 26]، ثم قال:رَبُّ ٱلْمَشْرِقِ وَٱلْمَغْرِبِ } [الشعراء: 28] وهاهنا قدم خبأ السموات على خبء الأرض، فجوابه، أَن إبراهيم وموسى ناظرا من ادعى إلهية البشر، فابتدءا بإبطال إلهية البشر، ثم انتقلا إلى إلهية السماء، وهاهنا الكلام مع من ادعى إلهية الشمس، لقولهوَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ ٱللَّهِ } [النمل: 24] فلا جرم ابتدأ بذكر السماويات، ثم بالأرضيات.

قوله: { أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ } الجملة الاستفهامية في محل نصب بـ " نَنْظُرُ " ، لأنَّها مُعلّقة لها، و " أَمْ " هنا متصلة، وقوله: { أَمْ كُنتَ مِنَ ٱلْكَاذِبِينَ } أبلغ من قوله: " أَمْ كَذَبْتَ " - وإن كان هو الأصل - لأنّ المعنى من الذين اتصفوا وانخرطوا في سلك الكاذبين. وقوله: " سَنَنْظُرُ " من النظر الذي هو التأمل. قوله: " هذَا " يجوز أن يكون صفة لـ " كِتَابِي " أو بدلاً منه أو بياناً له.

قال المفسرون: إن سليمان - عليه السلام - كتب كتاباً فيه: " من عند سليمان بن داود إلى بلقيس ملكة سبأ، بسم الله الرحمن الرحيم، السَّلامُ على من اتَّبع الهُدَى، أما بعد، أَلاَّ تَعْلُوا عليَّ وَأْتُوني مُسلمين ". قال ابن جريج: لم يزد سليمان على ما قصّه الله في كتابه، ثم ختمه بخاتمه، ثم قال للهدهد: " اذْهَبْ بِكَتَابِي هذَا فَأَلْقِهِ إِلَيْهِمْ ".

قوله: " فَأَلْقِهِ " ، قرأ أبو عمرو وحمزة وأبو بكر بإسكان الهاء، وقالون بكسرها فقط من غير صلة بلا خلاف عنه، وهشام عنه وجهان: القصر والصلة، والباقون بالصلة بلا خلاف، وتقدم توجيه ذلك في " آل عمران " و " النساء " وغيرهما، عند

السابقالتالي
2