الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَآنٌّ وَلَّىٰ مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يٰمُوسَىٰ لاَ تَخَفْ إِنِّي لاَ يَخَافُ لَدَيَّ ٱلْمُرْسَلُونَ } * { إِلاَّ مَن ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوۤءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَآءَ مِنْ غَيْرِ سُوۤءٍ فِي تِسْعِ آيَاتٍ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فَاسِقِينَ } * { فَلَمَّا جَآءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُواْ هَـٰذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ } * { وَجَحَدُواْ بِهَا وَٱسْتَيْقَنَتْهَآ أَنفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً فَٱنْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُفْسِدِينَ }

قوله: { وَأَلْقِ } عطف على ما قبله من الجملة الاسمية الخبرية، وقد تقدم أن سيبويه لا يشترط تناسب الجمل، وأنه يجيز: جاء زيدٌ ومن أبوك، وتقدمت أدلته أول البقرة.

وقال الزمخشري: فإن قلت: علام عطف قوله: " وَأَلْقِ عَصَاكَ "؟ قلت: على قوله: " بُورِكَ " لأن معنى: نودي أن بورك، وقيل له: ألق عصاك، والدليل على ذلك قوله: " وأن ألق عصاك " ، بعد قوله: أن يا موسى إني أنا الله على تكرير حرف التفسير، كما يقول: كتبت إليه أن حجَّ واعتمر، وإن شئت، أن حجَّ وأن اعتمر. قال أبو حيان: وقوله إنه معطوف على " بُورِكَ " مُنَافٍ لتقديره، وقيل له: ألق عصاك، لأن هذه جملة معطوفة على " بُورِكَ " وليس جزؤها الذي هو معمول، وقيل: معطوفاً على " بُورِكَ " ، وإنما احتاج إلى تقدير: وقيل له: ألق، ليكون جملة خبرية مناسبة للجملة الخبرية التي عطفت عليها، كأنه يرى في العطف تناسب الجمل المتعاطفة. والصحيح أنه لا يشترط ذلك، ثم ذكر مذهب سيبويه.

{ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَآنٌّ } ، وهي الحية الصغيرة التي يكثر اضطرابها، سميت جانّاً، لأنها تستر عن الناس. وقرأ الحسن، والزهري، وعمرو بن عبيد " جَأنٌّ " بهمزة مكان الألف، وقد تقدم تقرير هذا عندوَلاَ ٱلضَّآلِّينَ } [الفاتحة: 7] على لغة من يهرب من التقاء الساكنين، فيقول شأبَّة ودأبَّة. " وَلَّى مُدْبِراً " هرب من الخوف، و " وَلَمْ يُعَقِّبْ ": لم يرجع، يقال: عقب فلان: إذا رجع، وكل راجع معقب.

وقال قتادة: ولم يلتفت، فقال الله: { يَٰمُوسَىٰ لاَ تَخَفْ إِنِّي لاَ يَخَافُ لَدَيَّ ٱلْمُرْسَلُونَ } ، يريد: إذا أمَّنتهم لا يخافون، وقيل: المراد إذا أمرتهم بإظهار معجز أن لا يخافوا فيما يتعلق بإظهار ذلك، وإلا فالمرسل قد يخاف لا محالة، لأن الخوف الذي هو شرط الإيمان لا يفارقهم، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " أنا أخشاكم لله ".

قوله: " تَهْتَزُّ " جملة حالية من (هاء) " رآها " ، لأن الرؤية بصريَّة، وقوله: " كَأنَّهَا جَانٌّ ": يجوز أن تكون حالاً ثانية، وأن تكون حالاً من ضمير " تَهْتَزُّ " ، فيكون حالاً متداخلة، وقوله: " وَلَمْ يُعَقّبْ " يجوز أن يكون عطفاً على " وَلَّى " ، وأن يكون حالاً أخرى، والمعنى: ولم يرجع على عقبه، كقوله:
3933 - فَمَا عَقَّبُـوا إذْ قِيـلَ هَـلْ مِـنْ مُعَقِّـب   وَلاَ نَـزلُـوا يَـومَ الكَرِيهَـةِ مَنْـزِلا
قوله: { إَلاَّ مَن ظَلَمَ } فيه وجهان:

أحدهما: أنَّه استثناء منقطع، لأنَّ المرسلين معصومون من المعاصي، وهذا هو الظاهر الصحيح، والمعنى: لكن من ظلم من سائر الناس، فإنه يخاف فإن تاب وبدل حسناً بعد سوء فإنِّي غفورٌ رحيمٌ.

السابقالتالي
2 3 4