الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مِّنَ ٱلرَّحْمَـٰنِ مُحْدَثٍ إِلاَّ كَانُواْ عَنْهُ مُعْرِضِينَ } * { فَقَدْ كَذَّبُواْ فَسَيَأْتِيهِمْ أَنبَاءُ مَا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } * { أَوَلَمْ يَرَوْاْ إِلَى ٱلأَرْضِ كَمْ أَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ } * { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُّؤْمِنِينَ } * { وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ }

قوله تعالى: { وَمَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ } وعظ وتذكر { مِّنَ ٱلرَّحْمَـٰنِ مُحْدَثٍ } أي: محدث إنزاله فهو محدث في التنزيل. قال الكلبي: " كلما نزل شيء من القرآن بعد شيء فهو أحدث من الأول ".

وقوله: " إلاَّ كَانُوا " جملة حالية، وتقدم تحقيق هذا وما قبله في أول الأنبياء. ومعنى " مُعْرِضِينَ " أي: عن الإيمان به.

قوله: " فَقَدْ كَذَّبُوا " أي: بلغوا النهاية في ردّ آيات الله، " فَسَيَأْتِيهِمْ " أي: فسوف يأيتهم " أَنْبَاءُ ": أخبار وعواقب { مَا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } وذلك إما عند نزول العذاب عليهم في الدنيا، أو عند المعاينة في الآخرة كقوله تعالى:وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينِ } [ص: 88] قوله: { أَوَلَمْ يَرَوْاْ إِلَى ٱلأَرْضِ كَمْ أَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ } أي: صنف، والكريم صفة لكل ما يرضى ويحمد في بابه، يقال: " وجه كريم " إذا كان مرضياً في حسنه وجماله. و " كتاب كريم ": إذا كان مرضياً في فوائده ومعانيه. و " النبات الكريم ": هو المرضيّ في منافعه مما يأكل الناس والأنعام يقال: نخلة كريمة: [إذا طاب حملها، وناقة كريمة]: إذا كثر لبنها. قال الشعبي: الناس مثل نبات الأرض، فمن دخل الجنة فهو كريم، ومن دخل النار فهو لئيم.

قوله: " كَمْ أَنْبَتْنَا ". " كَمْ " للتكثير، فهي خبرية، وهي منصوبة بما بعدها على المفعول به، أي: كثيراً من الأزواج أنبتنا، و { مِن كُلِّ زَوْجٍ } تمييز.

وجوَّز أبو البقاء أن تكون حالاً. ولا معنى له. قال الزمخشري: فإن قلت: ما معنى الجمع بين " كَمْ " و " كُلِّ " ولو قيل: أنبتنا فيه من زوج كريم. قلت: قد دل " كُلّ " على الإحاطة بأزواج النبات على سبيل التفصيل، و " كَمْ " على أن هذا المحيط مُتَكَاثِرٌ مُفْرِطٌ في الكثرة.

قوله: { إِنَّ فِي ذَلِكَ } الذي ذكرت " لآيَةً " دلالة على وجودي وتوحيدي وكمال قدرتي وقوله: " لِلْمؤْمِنِينَ " كقوله:هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ } [البقرة: 2] لأنهم المنتفعون بذلك { وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُّؤْمِنِينَ }: مصدقين، أي: سبق علمي فيهم أن أكثرهم لا يؤمنون.

وقال سيبويه: (كان) هنا صلة، مجازه: وما أكثرهم مؤمنين. { وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ } وإنما قدم ذكر " العزيز " على ذكر " الرَّحِيم " لأنه لو لم يقدِّمه لكان ربما قيل: إنه رحيم لعجزه عن عقوبتهم، فأزال هذا الوهم بذكر " العزيز " وهو الغالب القاهر, ومع ذلك فإنه رحيم بعباده، فإن الرحمة إذا كانت عن القدرة الكاملة كانت أعظم وقعاً. فإن قيل: حين ذكر الأزواج دلَّ عليها بكلمتي الكثرة والإحاطة، وكان لا يحصيها إلا عالم الغيب، فكيف قال: { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً }؟ وهلا قال: لآيات؟. فالجواب من وجهين:

أحدهما: أن يكون ذلك مشاراً به إلى مصدر " أنبتنا " فكأنه قال: إن في ذلك الإنبات لآية.

والثاني: أن يراد: إن في كل واحد من تلك الأزواج لآية.