الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ } * { وَٱلَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ } * { وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ } * { وَٱلَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ } * { وَٱلَّذِيۤ أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ ٱلدِّينِ }

واعلم أن إبراهيم - عليه السلام - لما استثنى رب العالمين وصفه بما يستحق العبادة لأجله بأوصاف:

أحدها: قوله { ٱلَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ } ، وذلك لأن الله تعالى أثنى على نفسه بهذين الأمرين في قوله:ٱلَّذِي خَلَقَ فَسَوَّىٰ وَٱلَّذِي قَدَّرَ فَهَدَىٰ } [الأعلى: 2-3].

وقال: " خَلَقَنِي " بلفظ الماضي، لأن خلق الذات لا يتجدد في الدنيا، بل لما وقع بقي إلى الأمد المعلوم.

وقال: " فَهُوَ يَهْدِيْن " بلفظ المستقبل، لأن الهداية مما تتكرر كل حين وأوان، سواء كانت تلك الهداية من المنافع الدنياوية بتمييز النافع عن الضار، أو من المنافع الدينية بتمييز الحق عن الباطل والخير عن الشر.

قوله: { وَٱلَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ }. يجوز أن يكون مبتدأ وخبره محذوف وكذلك ما بعده، ويجوز أن تكون أوصافاً لـ " الَّذِي خَلَقَنِي " ودخول الواو جائز، وقد تقدم تحقيقه في أول البقرة كقوله:
3911 - إلَى المَلِك القَرْمِ وَابنِ الهَمَامِ   وَلَيْثِ الكَتِيبَةِ في المُزْدَحَمْ
وأثبت ابن أبي إسحاق - وتروى عن عاصم أيضاً - ياء المتكلم في: " يَسْقِينِ، ويَشْفِينِ، ويُحْيِينِ ".

فصل

المعنى: يرزقني ويغذوني بالطعام والشراب، ونبه بذكر الطعام والشراب على ما عداهما.

قوله: { وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ } أضاف المرض إلى نفسه، وإن كان المَرض والشفاء كله من الله استعمالاً لحُسن الأدب كما قال الخضر:فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا } [الكهف: 79]، وقال:فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَآ أَشُدَّهُمَا } [الكهف: 82].

وأجاب ابن الخطيب بأجوبة أخر، منها: أن أكثر أسباب المرض تحدث بتفريط الإنسان في مطاعمه ومشاربه وغير ذلك، ومن ثم قال الحكماء: لو قيل لأكثر الموتى: ما سبب آجالكم؟ لقالوا: التخَم. ومنها: أن الشفاء محبوب، وهو من أصول النعم، والمرض مكروه وليس من النعم وكان مقصود إبراهيم - عليه السلام - تعديد النعم، ولما لم يكن المرض من النعم لا جرم لم يضفه إلى الله، فإن نقضته بالأمانة فجوابه: أن الموت ليس بضرر، لأن شرط كونه ضرراً وقوع الإحساس به، وحال حصول الموت لا يحصل الإحساس به، إنما الضرر في مقدماته، وذلك هو عين المرض، ولأن الأرواح إذا كملت في العلوم والأخلاق كان بقاؤها في هذه الأجساد عين الضرر، وخلاصتها عنها عين السعادة (بخلاف المرض).

قوله: { وَٱلَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ }. والمراد منه: الإماتة في الدنيا والتخلص عن آفاتها، والمراد من الإحياء: المجازاة، ولذلك أدخل " ثُمَّ " ههنا للتراخي، أي يميتني ويحيين في الآخرة.

قوله: { وَٱلَّذِيۤ أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ ٱلدِّينِ } قرأ العامة: " خَطِيئَتِي " بالإفراد. والحسن: " خَطَايَايَ " جمع تكسير. فإن قيل: لم يقال: " والَّذِي أَطْمَعُ " والطمع عبارة عن الظن والرجاء، وهو عليه السلام كان قاطعاً بذلك؟ فالجواب: هذا الكلام يستقيم على مذهب أهل السنة، حيث قالوا: لا يجب على الله لأحد شيء، وأن يحسن منه كل شيء، ولا اعتراض لأحد عليه في فعله.

السابقالتالي
2 3