الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ } * { إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ } * { قَالُواْ نَعْبُدُ أَصْنَاماً فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ } * { قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ } * { أَوْ يَنفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ } * { قَالُواْ بَلْ وَجَدْنَآ آبَآءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ } * { قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَّا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ } * { أَنتُمْ وَآبَآؤُكُمُ ٱلأَقْدَمُونَ } * { فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِيۤ إِلاَّ رَبَّ ٱلْعَالَمِينَ }

قوله تعالى: { وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ... } الآيات.

اعلم أنه تعالى ذكر في أول السورة شدة حزن محمد - عليه السلام - ثم ذكر قصة موسى ليعرِّف محمداً أن مثل تلك المحنة كانت حاصلة لموسى، ثم ذكر عقيبها قصة إبراهيم ليعرف محمد أن حزن إبراهيم بهذا السبب كان أشد من حزنه.

قوله: " إذْ قَالَ " العامل في " إِذْ " " نَبَأَ " أو " اتْلُ " قاله الحوفي وهذا لا يتأتى إلا على كون " إذْ " مفعولاً به. وقيل: " إذ " بدل من " نبأ " بدا اشتمال، وهو يؤول إلى أن العامل فيه " اتْلُ " بالتأويل المذكور.

قوله: " وَقَوْمِهِ " الهاء تعود على إبراهيم، لأنه المحدث عنه.

وقيل: تعود على " أَبِيهِ " لأن أقرب مذكور، أي: قال لأبيه وقوم أبيه، ويؤيده:إِنِّيۤ أَرَاكَ وَقَوْمَكَ } [الأنعام: 74] حيث أضاف القوم إليه.

قوله " مَا تَعْبُدُونَ " أي: أيّ شيء تعبدون؟ وهو يعلم أنهم عبدة الأصنام، ولكنه سألهم ليريهم أن ما يعبدونه لا يستحق العبادة، كما تقول (لتاجر الرقيق): ما مالك؟ وأنت تعلم أن ماله الرقيق، ثم تقول: الرقيق جمال وليس بمال.

قوله: { نَعْبُدُ أَصْنَاماً } أتوا في الجواب بالتصريح بالفعل ليعطفوا عليه قولهم: " فَنَظَلُّ " افتخاراً بذلك، وإلاَّ فكان قولهم: " نَعْبُدُ أَصْنَاماً " كافياً كقوله تعالى: " قُلِ العَفْوَ " ، " قَالُوا خَيْراً ".

قوله: { فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ }. العكوف: الإقامة على الشيء. قال بعض العلماء: إنما قالوا: (فَنَظَلُّ) لأنهم يعبدونها بالنهار دون الليل، يقال: ظل يفعل كذا: إذا فعل بالنهار. فقال إبراهيم - عليه السلام - منبهاً على فساد مذهبهم: " هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ " لا بد من محذوف، أي: يسمعون دعاءكم، أو يسمعونكم تدعون، فعلى الأول هي متعدية لواحد اتفاقاً. وعلى الثاني هي متعدية لاثنين قامت الجملة المقدرة مقام الثاني، وهو قول الفارسي.

وعند غيره: الجملة المقدرة حال. وتقدم تحقيق القولين.

وقرأ قتادة ويحيى بن يعمر بضم الياء وكسر الميم، والمفعول الثاني: محذوف، أي: يسمعونكم الجواب.

قوله: " إذْ تَدْعُونَ " منصوب بما قبله، فما قبله وما بعده ماضيان معنى وإن كانا مستقبلين لفظاً لعمل الأول في " إذْ " ولعمل " إذْ " في الثاني.

وقال بعضهم: " إذ " هنا بمعنى: " إذا " وقال الزمخشري: إنه على حكاية الحال الماضية، ومعناه: استحضروا الأحوال التي كنتم تدعونها فيها، هل سمعوكم إذا سمعوا؟ وهو أبلغ في التبكيت، وقد تقدم أنه قرىء بإدغام ذال " إذْ " وأظهارها في التاء. وقال ابن عطية: ويجوز فيه قياس " مذكر " ونحوه، ولم يقرأ به أحد، والقياس أن يكون اللفظ به " إدَّدْعون " والذي منع من هذا اللفظ اتصال الدال الأصلية في الفعل فكثرت المتماثلات، يعني: فيكون اللفظ بدال مشددة مهملة، ثم بدال ساكنة مهملة أيضاً.

السابقالتالي
2 3