الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلشُّعَرَآءُ يَتَّبِعُهُمُ ٱلْغَاوُونَ } * { أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ } * { وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لاَ يَفْعَلُونَ } * { إِلاَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ وَذَكَرُواْ ٱللَّهَ كَثِيراً وَٱنتَصَرُواْ مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ وَسَيَعْلَمْ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ }

قوله تعالى: { وَٱلشُّعَرَآءُ يَتَّبِعُهُمُ ٱلْغَاوُونَ }. قد تقدم أن نافعاً بتخفيف التاء ساكنة وفتح الباء في سورة الأعراف عند قوله: " لا يَتَّبِعُوكُمْ " والفرق بين المخفف والمثقل. وسكن الحسنُ العينَ، ورويت عن أبي عمرو، وليست ببعيدة عنه كـ " يَنْصُرْكُمْ " وبابه وروى هارون عن بعضهم نصب العين، وهي غلط، والقول بأن الفتحة للإتباع خطأ، والعامة على رفع " الشُّعَرَاءُ " بالابتداء، والجملة بعده الخبر. وقرأ عيسى بالنصب على الاشتغال.

فصل

لمّا قال الكفار: لم لا يجوز أن يقال: الشياطين تنزل بالقرآن على محمد، كما أنهم ينزلون بالكهانة على الكهنة، وعلى الشعراء بالشعر؟ ثم إنه تعالى فرق بين محمد - عليه السلام - وبين الكهنة، ذكر هاهنا ما يدل على الفرق بينه وبين الشعراء: بأن الشعراء يتبعهم الغاوون، وهم: الضالون: ثم بيَّن أنَّ ذلك لا يمكن القول به لأمرين:

الأول: { أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ } والمراد منه: الطرق المختلفة، كقولك: أنا في واد وأنت في واد, وذلك بأنهم قد يمدحون الشيء بعد أن ذمّوه, وبالعكس, وقد يعظمونه بعدما يستحقرونه وبالعكس وذلك يدل على أنهم لا يطلبون بشعرهم الحق ولا الصدق، بخلاف أمر محمد - عليه السلام - فإنه من أول أمره إلى آخره بقي على طريق واحدة، وهو الدعوة إلى الله، والترغيب في الآخرة، والإعراض عن الدنيا.

والثاني: { وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لاَ يَفْعَلُونَ }.

وذلك أيضاً من علامات الغواية، فإنهم يرغِّبُون في الجود، ويرغبون عنه، وينفرون عن البخل ويصيرون إليه، ويقدحون في الناس بأدنى شيء صدر عنهم وعن واحد من أسلافهم. ثم إنهم لا يرتكبون إلا الفواحش، وذلك يدل على الغواية والضلالة، وأما محمد - عليه السلام - فإنه بدأ بنفسهفَلاَ تَدْعُ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ ٱلْمُعَذَّبِينَ } [الشعراء: 213] ثم بالأقرب فالأقرب فقال:وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ ٱلأَقْرَبِينَ } [الشعراء: 214] وكل ذلك خلاف طريقة الشعراء، فظهر بهذا البيان أنَّ حال محمد - عليه السلام - لم يشبه حال الشعراء.

قوله: " يَهِيمُونَ ". يجوز أن تكون هذه الجملة خبر " أَنَّ " وهذا هو الظاهر، لأنه محط الفائدة، و { فِي كُلِّ وَادٍ } متعلق به. ويجوز أن يكون { فِي كُلِّ وَادٍ } هو الخبر، و " يَهِيمُونَ " حال من الضمير في الخبر, والعامل ما تعلق به هذا الخبر, أو نفس الجار كما تقدم في نظيره. ويجوز أن تكون الجملة خبراً بعد خبر عند من يَرَى تَعَدُّد الخبر مطلقاً. وهذا من باب الاستعارة البليغة، والتمثيل الرائع، شبَّه جَوَلاَنَهم في أفانين القول، وطرائق المدح والذم، والتشبيب، وأنواع الشعر بِهَيْمِ الهائم في كل وجهٍ وطريق. وقيل: أراد بـ " كُلِّ وَادٍ " أي: على كل حرف من حروف الهجاء يصوغون (القوافي).

السابقالتالي
2 3