الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ أَفَرَأَيْتَ إِن مَّتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ } * { ثُمَّ جَآءَهُم مَّا كَانُواْ يُوعَدُونَ } * { مَآ أَغْنَىٰ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يُمَتَّعُونَ } * { وَمَآ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلاَّ لَهَا مُنذِرُونَ } * { ذِكْرَىٰ وَمَا كُنَّا ظَالِمِينَ }

قوله: " أَفَرَأيْتَ " تقدم تحقيقه وقد تنازع " أَفَرَأَيْتَ " و " جَاءَهُمْ " في قوله: { مَّا كَانُواْ يُمَتَّعُونَ } فإن أعملت الثاني وهو " جَاءَهُمْ " رفعت به " مَا كَانُوا " فاعلاً به، ومفعول " أَرَأَيْتَ " الأول ضميره، ولكنه حذف، والمفعول الثاني هو الجملة الاستفهامية في قوله: { مَآ أَغْنَىٰ عَنْهُمْ } ، ولا بدَّ من رابط بين هذه الجملة وبين المفعول الأول المحذوف، وهو مقدر تقديره: أفرأيت ما كانوا يوعدون ما أغنى عنهم تمتُّعهم حين حلَّ، أي: الموعود به، ودلَّ على ذلك قوة الكلام.

وإن أعملت الأول نصبت به { مَّا كَانُواْ يُوعَدُونَ } وأضمرت في " جَاءَهُمْ " ضميره فاعلاً به، والجملة الاستفهامية مفعول ثانٍ أيضاً، والعائد مقدر على ما تقرر في الوجه قبله، والشرط معترض، وجوابه محذوف، وهذا كله مفهوم مما تقدم في سورة الأنعام وإنما ذكرناه هنا لأنه تقديرٌ (عَسِرٌ يحتاج) إلى تأمل. وهذا كله إنما يتأتى على قولنا: " مَا " استفهامية، ولا يضير تفسيرهم لها بالنفي، فإن الاستفهام قد يرد بمعنى النفي. وأما إذا جعلتها نافية حرفاً، كما قاله أبو البقاء فلا يتأتي ذلك، لأنَّ مفعول " أَرَأَيْتَ " الثاني لا يكون إلا جملة استفهامية كما تقرر. قوله: { أَفَرَأَيْتَ إِن مَّتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ } كثيرة في الدنيا، يعني كفار مكة، ولم نهلكهم { ثُمَّ جَآءَهُم مَّا كَانُواْ يُوعَدُونَ } يعني: العذاب { مَآ أَغْنَىٰ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يُمَتَّعُونَ } في تلك السنين، أي: إنهم وإن طال تمتعهم بنعم الدنيا، فإذا أتاهم العذاب لم يغن طول التمتع عنهم شيئاً، ويكون كأنهم لم يكونوا في نعيم قط.

قوله: { مَآ أَغْنَىٰ عَنْهُمْ } يجوز أن تكون " مَا " استفهامية في محل نصب مفعولاً مقدماً، و " مَا كَانُوا " هو الفاعل، و " مَا " مصدرية بمعنى: أيُّ شَيْءٍ أغنى عنهم كونهم متمتعين. وأن تكون نافية، والمفعول محذوف، أي: لَمْ يُغْنِ عنهم تمتعهم شيئاً. وقرىء " يُمْتَعُونَ " بإسكان الميم وتخفيف التاء من: أمْتَعَ اللَّهُ زَيداً بكذا.

قوله: { إِلاَّ لَهَا مُنذِرُونَ } يجوز أن تكون الجملة صفة لـ " قَرْيَةٍ " وأن تكون حالاً منها. وسوغ ذلك سبق النفي. وقال الزمخشري: فإن قلت: كيف عزلت الواو عن الجملة بعد " إلاَّ " ولم تعزل عنها في قوله:وَمَآ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلاَّ وَلَهَا كِتَابٌ مَّعْلُومٌ } [الحجر: 4]؟ قلت: الأصل عزل الواو، لأنَّ الجملة صفة لـ " قَرْيَةٍ " وإذا زيدت فلتأكيد وصل الصفة بالموصوف، كما في قوله:سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ } [الكهف: 22]. قال أبو حيان: ولو قدرنا " لَهَا مُنْذِرُونَ " جملة لم يجز أن تجيء صفة بعد (إلاَّ)، ومذهب الجمهور أنه لا تجيء الصفة بعد " إلاَّ " معتمدة على أداة الاستثناء، نحو: مَا جَاءَنِي أحدٌ إلاَّ رَاكِبٌ، وإذا سمع مثل هذا خرّجوه على البدل، أي: إلاَّ رجل راكب، ويدل على صحة هذا المذهب أنَّ العرب تقول: ما مررت بأحدٍ إلاَّ قائماً ولا يحفظ عنهم " إِلاَّ قَائِم " يعني: بالجر، فلو كانت الجملة صفة بعد " إلاَّ " (لَسُمِعَ الجَرُّ) في هذا.

السابقالتالي
2 3