الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ ٱلْمُرْسَلِينَ } * { إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلا تَتَّقُونَ } * { إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ } * { فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ } * { وَمَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَىٰ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } * { أَتَأْتُونَ ٱلذُّكْرَانَ مِنَ ٱلْعَالَمِينَ } * { وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِّنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ } * { قَالُواْ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ يٰلُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُخْرَجِينَ } * { قَالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِّنَ ٱلْقَالِينَ } * { رَبِّ نَّجِنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ } * { فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ } * { إِلاَّ عَجُوزاً فِي ٱلْغَابِرِينَ } * { ثُمَّ دَمَّرْنَا ٱلآخَرِينَ } * { وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَراً فَسَآءَ مَطَرُ ٱلْمُنذَرِينَ } * { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ } * { وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ }

قوله تعالى: { كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ ٱلْمُرْسَلِينَ } الآيات.

قوله: " مِنَ العالِمينَ ". يحتمل عوده إلى الآتي، أي: أنتم من جملة العالمين مخصوصون بهذه الصفة، وهي إتيان الذكران. (ويحتمل عوده إلى المأتى، أي: أنتم اخترتم الذكران) من العالمين لا الإناث منهم.

قوله: " مِنْ أَزْوَاجِكُمْ ". يصلح أن يكون تبييناً، وأن يكون للتبعيض، ويُراد بِمَا خلق العضو المباح منهن، وكانوا يفعلون مثل ذلك بنسائهم. { بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ }. معتدون مجاوزون الحلال إلى الحرام، والعادي: المعتدي في ظلمه.

والمعنى: أتركبون هذه المعصية على عظمها { بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ } في جميع المعاصي { قَالُواْ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ يٰلُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُخْرَجِينَ } أي: من جملة من أخرجناه من بلدنا، ولعلهم كانوا يخرجون من أخرجوه على أسوأ الأحوال.

قوله: " لِعَمَلِكُمْ " كقوله:إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ ٱلنَّاصِحِينَ } [الأعراف: 21] وقد تقدم. وقيل: " مِنَ القَالِينَ " صفة لخبر محذوف، هذا الجار متعلق به، أي: إني قال: { لِعَمَلِكُمْ مِّنَ ٱلْقَالِينَ } المبغضين. والقِلَى: البغض الشديد، كأنه بُغْضٌ يقلي الفؤاد والكبد. وقوله " مِنَ القَالِينَ " أبلغ من أن يقول: إني لعملكم قالٍ، كما تقول: فلان من العلماء، أبلغ من قولك: فلان عالم.

ويجوز أن يراد: من الكاملين في قِلاكم. (والقَالِي: المُبْغِضُ، يقال: قَلاَهُ يَقْلِيهِ قِلًى، وَيَقْلاَهُ، وهي شاذة، قال:
3920 - وَتَـرْمِينَنِـي بالطَّـرْفِ أَيْ أَنْـتَ مُذْنِـبٌ   وَتقْلِينَنِـي لكِـنَّ إيَّـاكِ لاَ أقْلِـي
وقال آخر:
3921 - والله مَـا فَارَقْتكُـمْ عَـنْ قِلًـى لكـم   وَلكـنَّ مَـا يُقْضَـى فَسَـوْفَ يَكُـونُ
واسم المفعول فيه: " مَقْلِيّ " والأصل: " مَقْلُويٌّ " فأدغم كـ " مَرْمِيٍّ " قال:
3922 - وَلَسْـتُ بِمَقْلـيِّ الخِـلاَلِ ولاَ قَالِـي   
وغلط بعضهم فجعل ذلك من قولهم: قَلَى اللَّحْمَ، أي شَوَاهُ، فكأنه قلى كبده بالبغض ووجه الغلط أن هذا من ذوات الياء, وذاك من ذوات الواو.

يقال: قَلَى اللحمِ يَقْلُوه قَلْواً، فهو قال كَغَازٍ، و " مَقْلُوّ " كما تقدم)، ثم دعا فقال: { رَبِّ نَّجِنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ } من العمل الخبيث.

قال الله تعالى: " فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ " من عقوبة عملهم { إِلاَّ عَجُوزاً فِي ٱلْغَابِرِينَ } وهي امرأة لوط، بقيت في الهلاك والعذاب، فإنْ قيل: " فِي الغَابِرينَ " صفة لها، كأنه قيل: إلاَّ عَجُوزاً (غابرة، وإن لم يكن الغبور صفتها وقت تنجيتهم؟ فالجواب: معناه: إلاَّ عجوزاً) مقدراً غبورها. قيل: إنما هلكت مع من خرج من القرية بما أمطر من الحجارة. { ثُمَّ دَمَّرْنَا ٱلآخَرِينَ } أي: أهلكناهم { وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَراً فَسَآءَ مَطَرُ ٱلْمُنذَرِينَ } والمخصوص بالذم محذوف، أي: (مَطَرُهُمْ) قال وهب بن منبه: الكبريت والنار. { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ }.

فصل

قال القاضي عبد الجبار في تفسير قوله: { وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِّنْ أَزْوَاجِكُمْ } دليل على بطلان الجبر من وجوه:

الأول: أنه لا يقال: " تَذَرُونَ " إلاَّ مع القدرة على خلافه، ولذلك لا يقال للمرء: لم تذر الصعود إلى السماء، كما يقال: لم تذر (الدخول و) الخروج.

السابقالتالي
2