الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ كَذَّبَتْ عَادٌ ٱلْمُرْسَلِينَ } * { إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلاَ تَتَّقُونَ } * { إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ } * { فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ } * { وَمَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَىٰ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } * { أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ } * { وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ } * { وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ } * { فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ } * { وَٱتَّقُواْ ٱلَّذِيۤ أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ } * { أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ } * { وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ } * { إِنِّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ } * { قَالُواْ سَوَآءٌ عَلَيْنَآ أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِّنَ ٱلْوَاعِظِينَ } * { إِنْ هَـٰذَا إِلاَّ خُلُقُ ٱلأَوَّلِينَ } * { وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ } * { فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ } * { وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ }

قوله تعالى: { كَذَّبَتْ عَادٌ ٱلْمُرْسَلِينَ } الآية. الكلام في فاتحة هذه القصة كالكلام في فاتحة قصة نوح. وقوله: " تَعْبَثُون " جملة حالية من فاعل " تبنون ". والرِّيعْ - بكسر الراء وفتحها -: جمع " رِيْعَة " وهو في اللغة: المكان المرتفع، قال ذو الرمّة.
3916 - طِـرَاقُ الخَـوَافِي مُشْـرِقٌ فَـوْقَ رِيْعَـةٍ   نَـدَى لَيْـلِـهِ فِـي ريْشِـهِ يَتَـرَقْرَقُ
وقال أبو عبيدة: وهو الطريق، وأنشد للمسيَّب بن علس يصف ظعناً:
3917 - فِي الآلِ يَخْفِضُهَا وَيَرفَعُهَا   رِيْعٌ يَلُوْحُ كَأَنَّهُ سَحْلُ
والرَّيع - بالفتح -: ما يحصل من الخراج.

فصل

قال الوالبي عن ابن عباس: الرَّيْع: كل شرف. وقال الضحاك ومقاتل: بكل طريق وهو رواية العوفي عن ابن عباس. وعن مجاهد قال: هو الفج بين جبلين وعنه أيضاً أنه المنظر. و " الآية ": العَلَم.

قال ابن عباس: كانوا يبنون بكل ريع علماً يعبثون فيه بمن يمر في الطريق إلى هود - عليه السلام -. وقيل: كانوا يبنون في الأماكن المرتفعة ليعرف بذلك غناهم، فنهُوا عنه، ونسبوا إلى العبث. وقال سعيد بن جبير ومجاهد: هي بروج الحمام، لأنهم كانوا يلعبون بالحمام.

قوله: { وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ } قال مجاهد: قصوراً مُشَيَّدة.

وقال الكلبي: هي الحصون. وقال قتادة: مآخذ المآء يعني: الحياض, واحدتها مَصْنَعة. " لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُون ". العامة على تخفيفه مبنياً للفاعل. وقتادة: بالتشديد مبنياً للمفعول، ومنه قور امرىء القيس:
3918 - وَهَـلْ يَنْعَمَـنْ إِلاَّ سَعِيْـدٌ مُخَلَّـدٌ   قَلِيْـلُ الهُمُـوْم مَـا يَبيْـتُ بِـأَوْجَـال
و " لَعَل " هنا على بابها. وقيل: للتعليل. ويؤيده قراءة عبد الله: " كَيْ تَخْلِدُون ". وقيل: للاستفهام، قاله زيد بن عليّ، وبه قال الكوفيون. وقيل: معناه التشبيه، أي: كأنكم تخلدون. ويؤيده ما في حرف أبيّ: " كَأَنَّكم تُخلدون " بضم التاء مخففاً ومشدداً. وقرىء: " كأَنَّكُم خَالِدُونَ " ولم يعلم من نص عليها أنها تكون للتشبيه. والمعنى: كأنكم تبقون فيها خالدين. قوله: " وَإِذَا بَطَشْتُم " أي: وإذا أردتم، وإنما احتجنا إلى تقدير الإرادة لئلا يتحد الشرط والجزاء، و " جَبَّارِين " حال. واعلم أن اتخاذ الأبنية العالية يدل على حب الدنيا، واتخاذ المصانع يدل على حب البقاء، والجبارية تدل على حب التفرد بالعلو، وهذه صفات الإِلهية وهي ممتنعة الحصول للعبد ولما ذكر هود هذه الأشياء قال: { فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ } زيادة في دعائهم إلى الآخرة، وزجراً لهم عن حب الدنيا والاشتغال بالسرف والتجبر، ثم وصل هذا الوعظ بما يؤكد القبول بأن نبههم على نعم الله تعالى عليهم فقال: { وَٱتَّقُواْ ٱلَّذِيۤ أَمَدَّكُمْ [بِمَا تَعْلَمُونَ } أي: أعطاكم من الخير ما تعلمون، ثم فصل ذلك الإعطاء فقال]: { أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ } أي: بساتين وأنهار، { إِنِّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ }.

السابقالتالي
2