الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأُزْلِفَتِ ٱلْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ } * { وَبُرِّزَتِ ٱلْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ } * { وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ } * { مِن دُونِ ٱللَّهِ هَلْ يَنصُرُونَكُمْ أَوْ يَنتَصِرُونَ } * { فَكُبْكِبُواْ فِيهَا هُمْ وَٱلْغَاوُونَ } * { وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ } * { قَالُواْ وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ } * { تَٱللَّهِ إِن كُنَّا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } * { إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } * { وَمَآ أَضَلَّنَآ إِلاَّ ٱلْمُجْرِمُونَ } * { فَمَا لَنَا مِن شَافِعِينَ } * { وَلاَ صَدِيقٍ حَمِيمٍ } * { فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } * { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ } * { وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ }

قوله تعالى: { وَأُزْلِفَتِ ٱلْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ } أي: أن الجنة تكون قريبة من موقف السعداء ينظرون إليها ويفرحون بأنهم المحشورون إليها. { وَبُرِّزَتِ ٱلْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ } أي: أُظْهِرَت.

وقرأ مالك بن دينار: " وبَرَزت " بفتح الباء والراء خفيفة مبنياً للفاعل مسنداً لـ " الجحيم " ، فلذلك رفع، والمراد بـ " الغاوين " الكافرون.

{ وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ هَلْ يَنصُرُونَكُمْ }: يمنعونكم من العذاب بنصرتهم، أو ينفعون أنفسهم بانتصارهم.

قوله: " فَكُبْكِبُوا " أي: أُلْقوا وَقُلِبَ بعضهم على بعض. قال الزمخشري: الكَبْكَبَة. تَكرِير الكبِّ، جعل التكرير في اللفظ دليلاً على التكرير في المعنى.

وقال ابن عطية نحواً منه، قال: وهو الصحيح، لأن تكرير الفعل بَيِّنٌ نحو: صَرَّ وَصَرْصَرَ، وهذا هو مذهب الزجاج.

وفي مثل هذا البناء ثلاثة مذاهب:

أحدها: هذا.

والثاني: وهو مذهب البصريين أن الحروف كلها أصول.

والثالث: وهو قول الكوفيين: أن الثالث مبدل من مثل الثاني: فأصل " كَبْكَبَ ": كَبَّبَ، بثلاث باءات، ومثله " لَمْلَمَ، وَكَفْكَفَ " ، هذا إذا صح المعنى بسقوط الثالث، فأما إذا لم يصح المعنى بسقوطه كانت كلها أصولاً من غير خلاف نحو: " سِمْسِم، وخِمْخِم ". وواو " كُبْكِبُوا " قيل: للأَصنام، إجراء لها مجرى العقلاء. وقيل: (لعابديها).

فصل

قال ابن عباس: جمعوا. وقال مجاهد: دُهْوِرُوا. وقال مقاتل: قذفوا وقال الزجاج: طُرِحَ بعضُهم على (بعض). وقال القتيبي: أُلْقُوا على رؤوسهم { هُمْ والغَاوُوْن } يعني: الشياطين، قاله قتادة ومقاتل. وقال الكلبي: كَفَرَةُ الجن. { وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ } أتباعه من الجن والإنس. وقيل: ذريته.

قوله: { وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ } جملة حالية معترضة بين القول ومعموله ومعمول الجملة القسمية.

قوله: { إِن كُنَّا لَفِي }. مذهب البصريين: أن " إن " مخففة، واللام فارقة. ومذهب الكوفيين: أن " إن " نافية، واللام بمعنى " إلا ".

فصل

المعنى: قال الغاوون للشياطين والمعبودين { وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ } مع المعبودين، ويجادل بعضهم بعضا: { تَٱللَّهِ إِن كُنَّا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } يذكرون ذلك حين يروا صورها على وجه الاعتراف (بالخطأ العظيم وعلى) وجه الندامة لا على وجه المخاطبة، لأنها جماد لا تخاطب، وأيضاً فلا ذَنْبَ لها بأن عَبَدها غيرها. ومما يدل على أن ذلك ليس بخطاب لها في الحقيقة قولهم: { وَمَآ أَضَلَّنَآ إِلاَّ ٱلْمُجْرِمُونَ } قوله: " إِذْ نُسَوِّيكُمْ ". " إِذْ " منصوب إمَّا بـ " مُبِينٍ " , وإما بمحذوف, أي: ضلَلْنَا في وقت تَسْوِيتنا لَكُم بالله في العبادة. ويجوز على ضعف أن يكون معمولاً لـ " ضَلاَلٍ " والمعنى عليه إلا أن ضعفه صِنَاعِيّ وهو أن المصدر الموصوف لا يعمل بعد وصفه.

السابقالتالي
2