قوله تعالى: { وَإِذْ نَادَىٰ رَبُّكَ مُوسَىٰ } الآية. العامل في " إذْ نَادَى " مضمر، فقدره الزجاج: اتْلُ. وقدره غيره: اذكر. واختلف في النداء الذي سمعه موسى - عليه السلام - من الله تعالى، فقيل: هو الكلام القديم، فكما أن ذاته تعالى لا تشبه سائر الذوات مع أن الدليل دل على أنها معلومة ومرتبة، فكذا كلامه منزه عن مشابهة الحرف والصوت مع أنه مسموع وقيل: كان نداء من جنس الحروف والأصوات. وقالت المعتزلة: كان ذلك النداء حروفاً وأصواتاً علم به موسى من قبل الله تعالى فصار معجزاً، علم به موسى أن الله تعالى مخاطب له فلم يحتج مع ذلك إلى واسطة. قوله: { أَنِ ٱئْتِ ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ }. يجوز أن تكون " أَنْ " مفسِّرة، وأن تكون مصدرية، أي: بأن. قوله: " قَوْمَ فِرْعَوْنَ ". بدل أو عطف بيان لـ " القَوْمَ الظَّلِمِينَ ". وقال أبو البقاء: إنه مفعول (تَتَّقُونَ) على قراءة من (تَتَّقُونَ) بالخطاب وفتح النون، كما سيأتي. ويجوز على هذه القراءة أن يكون منادى. قوله: " أَلاَ يَتَّقُونَ ". العامة على الياء في " يَتَّقُونَ " وفتح النون، والمراد قوم فرعون، والمفعول محذوف، أي: يتقون عقابي، [وقرأ عبد الله بن مسلم بن يسار، وحماد، وشقيق بن سلمة بالتاء من فوق على الالتفات، خاطبهم بذلك توبيخاً] والتقدير: يا قوم فرعون. وقرأ بعضهم: " يَتَّقُونِ " بالياء من تحت، وكسر النون، وفيها تخريجان: أحدهما: أن " يَتَّقُونِ " مضارع، ومفعوله ياء المتكلم اجتزئ عنها بالكسرة. والثاني: جوّزه الزمخشري، أن تكون " يا " للنداء، و " اتَّقُونِ " فعل أمر، كقوله: " أَلاَ يَا اسْجُدُواْ " أي: يا قوم اتقون، أو يا ناس اتقون. وسيأتي تحقيق مثل هذا في السورة تحتها. وهذا تخريج بعيد. وفي هذه الجملة وجهان: أحدهما: أنها مستأنفة لا محل لها من الإعراب. وجوّز الزمخشري أَن تكون حالاً من الضمير في " الظَّالمِينَ " أي: يظلمون غير متَّقين اللَّهَ وعقابَه، فأُدخلت همزةُ الإنكار على الحال. وخطأه أبو حيان من وجهين: أحدهما: أنه يلزم عنه الفصل بين الحال وعاملها بأجنبي منهما، فإن أعرب " قَوْمَ فِرْعَوْنَ " عطف بيان لـ " القَوْمَ الظَّالمينَ ". والثاني: أنه على تقدير تسليم ذلك لا يجوز أيضاً؛ لأن ما بعد الهمزة لا يعمل فيما قبلها، قال: وقولك: (جئتُ أمسرعاً)، إن جعلت (مسرعاً) معمولاً لـ (جئت) لم يجز، فإن أضمرت عاملاً جاز. والظاهر أن " أَلاَ " للعرض. وقال الزمخشري: إنها (لا) النافية، دخلت عليها همزة الإنكار. وقيل: هي للتنبيه. فصل قوله: { وَإِذْ نَادَىٰ رَبُّكَ مُوسَىٰ } حين رأى الشجرة والنار { أَنِ ٱئْتِ ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمينَ } أي: الذين ظلموا أنفسهم بالكفر والمعصية، فحكم عليهم بالظلم من وجهين: الأول: ظلموا أنفسهم بكفرهم.