الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ أُوْلَـٰئِكَ يُجْزَوْنَ ٱلْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُواْ وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلاَماً } * { خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً } * { قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلاَ دُعَآؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَاماً }

قوله: { أُوْلَـٰئِكَ يُجْزَوْنَ ٱلْغُرْفَةَ } أي: يثابون الغرفة، وهي الدرجة العالية. و " الغُرْفَة " مفعول ثان لـ " يُجْزَونَ " ، والغُرْفَةُ كُلُّ بِنَاء مرتفع، والجمع غُرَفٌ.

قوله: " بِمَا صَبَرُوا " أي بِصَبْرِهم، أي: بِسَببه أو بسبب الذي صبروه، والأصل: صبروا عليه، ثم حذف بالتدريج. والباء للسببية كما تقدم، وقيل: للبدل، كقوله:
3893- فَلَيْتَ لِي بِهِمُ قَوْماً...   
ولا حاجة إلى ذلك. وذكر الصبر ولم يذكر المصبور عنه، ليعمّ جميع أنواع المشاقّ، ولا وجه لقول من يقول: المراد الصبر على الفقر خاصة.

قوله: " وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا " قرأ الأخوان وأبو بكر بفتح الياء وسكون اللام من لَقِيَ يَلْقَى، والباقون بضمها، وفتح اللام وتشديد القاف على بنائه للمفعول، كقوله:وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً } [الإنسان: 11]. والتحيّة الدعاء بالتعمير، أي: بقاء دائماً، وقيل: الملك. والسلام الدعاء بالسلامة، أو يسلم بعضهم على بعض. وهذه التحيّة والسلام يمكن أن يكون من الله كقولهسَلاَمٌ قَوْلاً مِّن رَّبٍّ رَّحِيمٍ } [يس: 58]. ويمكن أن يكون من الملائكة لقوله:وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِّن كُلِّ بَابٍ سَلاَمٌ } [الرعد: 23 - 24]. ويمكن أن يكون بعضهم على بعض.

قوله: { خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً }. وصف ذلك بالدوام بقوله: " خالدين فيها " ، وقوله: { حَسُنَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً } أي: موضع قرار وإقامة، وهذا في مقابلة قوله:سَآءَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً } [الفرقان: 66] أي: ما أسوأ ذاك وأحسن هذا.

قوله: { قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي }. قال مجاهد وابن زيد: أي: ما يصنع وما يفعل بكم. قال أبو عبيدة: يقال: ما عَبَأْت به شيئاً، أي: لم أُبَالِهِ، فوجوده وعدمه سواء. وقال الزجاج: معناه لا وزن لكم عندي والعبء في اللغة الثقل. وقال أبو عمرو بن العلاء: ما يبالي ربكم، ويقال: ما عبأت بك، أي: ما اهتممت ولا اكترثت، ويقال: عبأت الجيش وعبأته، أي: هيأته وأعددته. قوله: " لَوْلاَ دُعَاؤُكُمْ " جوابها محذوف لدلالة ما تقدم، أي: لولا دعاؤكم ما أعبأ بكم ولا أكترث، و " ما " يجوز أن تكون نافية، وهو الظاهر، وقيل: استفهام، بمعنى النفي، ولا حاجة إلى التجوز في شيء يصح أن يكون حقيقة بنفسه. و " دُعَاؤُكُمْ " يجوز أن يكون مضافاً للفاعل، أي: لولا تضرّعكم إليه، ويجوز أن يكون مضافاً للمفعول، أي: لولا دعاؤكم إيّاهُ إلى الهدى.

فصل

ومعنى هذا الدعاء وجوه:

الأول: لولا دعاؤكم إياه في الشدائد كما قال تعالى:فَإِذَا رَكِبُواْ فِي ٱلْفُلْكِ دَعَوُاْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ } [العنكبوت: 65].

الثاني: لولا شكركم له على إحسانه، لقوله:مَّا يَفْعَلُ ٱللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ } [النساء: 147].

الثالث: لولا عبادتكم.

الرابع: لولا إيمانكم.

وقيل المعنى: ما خلقتكم وبي إليكم حاجة إلا أن تسألوني فأعطيكم وتستغفروني فأغفر لكم.

السابقالتالي
2