الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَٱجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً }

قوله: { وَٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا }.

يجوز أن تكون " من " لابتداء الغاية، أي: هب لنا من جهتهم ما تقرّ به عيوننا من طاعة وصلاح، وأن تكون للبيان، قاله الزمخشري وجعله من التَّجريد، أي: هب لنا قُرَّة أعْيُنٍ من أزواجنا كقولك رأيتُ مِنْكَ أسَداً.

وقرأ أبو عمرو والأخوان وأبو بكر " ذُرِّيَّتِنَا " بالتوحيد، والباقون بالجمع سلامة وقرأ أبو هريرة وأبو الدرداء وابن مسعود " قُرَّاتِ " بالجمع، وقال الزمخشري: أتى هنا بـ " أَعْيُنٍ " صيغة القلة دون (عُيُونٍ) صيغة الكثرة، إيذاناً بأنَّ عيون المتقين قليلة بالنسبة إلى عيون غيرهم. وردَّه أبو حيان بأن أعيُناً يطلق على العشرة فما دونها، وعيون المتقين كثيرة فوق العشرة. وهذا تحمُّلٌ عليه، لأنَّه إنما أراد القلة بالنسبة إلى كثرة غيرهم، ولم يُرِدْ قَدْراً مخصوصاً.

فصل

أراد قرة أعين لهم في الدين لا في الدنيا من المال والجمال، قال الزجاج: يقال: أقرَّ الله عينك، أي: صادف فؤادك ما يحبه وقال المفضل: في قرة العين ثلاثة أقوال:

أحدها: برد دمعتها، وهي التي تكون مع السرور، ودمعة الحزن حارة.

الثاني: فرحها، لأنه يكون مع ذهاب الحزن والوجع.

الثالث: قال الأزهري: حصول الرضا.

قوله: { وَٱجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً } في " إمَاماً " وجهان:

أحدهما: أنه مفرد، وجاء به مفرداً إرادة للجنس، وجنسه كونه رأس فاصلة. (أو المراد: اجعل كل واحد منا إماماً. كما قالنُخْرِجُكُمْ طِفْلاً } [الحج: 5].

قال الفراء: قال " إِمَاماً " ولم يقل: أئمة. كما قال للاثنينإِنَّا رَسُولُ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } [الشعراء: 16]. وقيل: أراد أئمة كقوله:فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِيۤ } [الشعراء: 77]، وإمَّا لاتحادهم واتفاق كلمتهم، وإمَّا لأنَّه مصدرٌ في الأصل كصيام وقيام.

الثاني: أنه جمع آمٍّ كحالٍّ وحلال، أو جمع إمامة كقلادة وقلاد.

قال القفال: وعندي أن الإمام إذا ذهب به مذهب الاسم وحد كأنه قيل: اجعلنا حجة للمتقين، ومثله البينة يقال: هؤلاء بينة فلان.

فصل

قال الحسن: نقتدي بالمتقين ويقتدي بنا المتقون. وقال ابن عباس: اجعلنا أئمة هداة كما قال:وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ } [الأنبياء: 73] ولا تجعلنا أئمة ضلالة، كقوله:وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى ٱلنَّارِ } [القصص: 41]. وقيل هذا من المقلوب، أي: واجعل المتقين لنا إماماً واجعلنا مؤتمين مقتدين بهم قاله مجاهد.

فصل

قيل: نزلت الآية في العشرة المبشرين بالجنة.

قال بعضهم: هذه الآية تدل على وجوب طلب الرياسة في الدين والرغبة فيها، قال إبراهيم - عليه السلام -وَٱجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي ٱلآخِرِينَ } [الشعراء: 84] واحتج أهل السنة بهذه الآية على أن فعل العبد مخلوق لله تعالى، لأن الإمامة في الدين لا تكون إلا بالعلم والعمل، والعلم والعمل إنما يكون بجعل الله وخلقه.

قال القاضي: المراد من هذا السؤال الألطاف التي إذا كثرت صاروا مختارين لهذه الأشياء فيصيرون أئمة.

والجواب: أن تلك الألطاف مفعولة لا محالة فيكون سؤالها عبثاً.

واعلم أنه تعالى لما بيَّن صفات المتقين المخلصين بيَّن بعده إحسانه إليهم.