الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَعِبَادُ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَىٰ ٱلأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُواْ سَلاَماً } * { وَالَّذِينَ يِبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً } * { وَٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا ٱصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً } * { إِنَّهَا سَآءَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً } * { وَٱلَّذِينَ إِذَآ أَنفَقُواْ لَمْ يُسْرِفُواْ وَلَمْ يَقْتُرُواْ وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً }

قوله تعالى: { وَعِبَادُ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلَّذِينَ يَمْشُونَ } { عِبَادُ ٱلرَّحْمَـٰنِ } رفع بالابتداء، وفي خبره وجهان:

أحدهما: الجملة الأخيرة في آخر السورةأُولَئِكَ يُجْزَونَ } [الفرقان: 75]، وبه بدأ الزمخشري و " الَّذِينَ يَمْشُونَ " وما بعده صفات للمبتدأ.

والثاني: أن الخبر " يَمْشُونَ ". والعامة على " عِبَادِ " ، [واليمانيّ بضم العين وتشديد الباء جمع عابد، والحسن " عُبُد " بضمتين.

والعامة " يَمْشُون " بالتخفيف مبنياً للفاعل]، واليماني والسلمي بالتشديد مبنياً للمفعول.

فصل

هذه الإضافة للتخصيص والتفضيل وإلا فالخلق كلهم عباد الله.

قوله: " هَوْناً " إما نعت مصدر، أي: مشياً هوناً، وأما حال أي: هَيِّنينَ، والهون: اللين والرفق، أي يمشون بالسكينة والوقار متواضعين، ولا يضربون بأقدامهم أشراً وبطراً ولا يتبخترون خيلاء. وقال الحسن: علماء حكماء.

وقال محمد ابن الحنفية: أصحاب وقار وعفّة لا يسفهون وإن سفه عليهم حلموا { وإذا خاطبهم الجاهلون } يعني السفهاء بما يكرهونه " قَالُوا سَلاَماً ". قال مقاتل: قولاً يسلمون فيه من الإثم. وقيل: المعنى: لا نجاهلكم. وقيل: المراد حلمهم في مقابلة الجهل. وقال الأصم: " قَالُوا سَلاَماً " أي: سلام توديع لا محبة، كقول إبراهيم - عليه السلام - لأبيه:سَلاَمٌ عَلَيْكَ } [مريم: 47].

قال الكلبي وأبو العالية: نسختها آية القتال.

قوله: " سَلاَماً " يجوز أن ينتصب على المصدر بفعل مقدر أي: نسلم سلاماً أو نسلم تسليماً منكم لا نجاهلكم فأقيم السلام مقام التسليم، ويجوز أن ينتصب على المفعول به، أي: قالوا هذا اللفظ، قال الزمخشري: أي قالوا سداداً من القول يسلمون فيه من الأذى، والمراد سلامتهم من السفه، كقوله:
3885- أَلاَ لاَ يَجْهَلَنْ أَحَدٌ عَلَيْنَا   فَنَجْهَلَ فَوْقَ جَهْلِ الجَاهِلِينَا
ورجح سيبويه أن المراد بالسلام السلامة لا التسليم، لأن المؤمنين لم يؤمروا قط بالتسليم على الكفرة، وإنما أمروا بالمسالمة، ثم نسخ ذلك، ولم يذكر سيبويه نسخاً إلا في هذه الآية.

قوله: { وَالَّذِينَ يِبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً }. لما ذكر وصفهم بالنهار من وجهين:

أحدهما: ترك الإيذاء بقوله: { يَمْشُونَ عَلَىٰ ٱلأَرْضِ هَوْناً }.

والثاني: تحمل الإيذاء بقوله: { وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُواْ سَلاَماً } شرح صفتهم في الليل. قال الزجاج: كل من أدركه الليل قيل: بات وإن لم ينم كما يقال: بات فلان قلقاً. والمعنى يبيتون لربهم سجداً على وجوههم، وقياماً على أقدامهم قال ابن عباس: من صلى بعد العشاء ركعتين فقد بات ساجداً وقائماً. وروى عثمان بن عفان قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " من صلى العشاء في جماعة كان كقيام نصف ليلة، ومن صلى الفجر في جماعة كان كقيام ليلة ".

قوله: " سُجَّداً " خبر " يَبِيتُون " ، ويضعف أن تكون تامة.

السابقالتالي
2 3