الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَهُوَ ٱلَّذِي مَرَجَ ٱلْبَحْرَيْنِ هَـٰذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَـٰذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخاً وَحِجْراً مَّحْجُوراً }

قوله تعالى: { وَهُوَ ٱلَّذِي مَرَجَ ٱلْبَحْرَيْنِ } الآية. هذا النوع الرابع. في " مَرَجَ " قولان:

أحدهما: بمعنى خلط ومرج، ومنه مرج الأمر أي: اختلط قاله ابن عرفة.

وقيل: " مرج " أجرى، وأمرج لغة فيه.

(و) قيل: مرج لغة الحجاز، وأمْرَجَ لغة نجد، وفي كلام بعض الفصحاء: بحران أحدهما بالآخر مَمْرُوج، وماء العذب منهما بالأجاج ممزوج. وقيل: أرسلهما في مجاريهما وخلاَّهما كما ترسل الخيل في المرج قاله ابن عباس.

وأصل المرج الخلط والإرسال يقال: مرجت الدابة وأمرجتها إذا أرسلتها في المرعى وخليتها تذهب حيث تشاء.

قوله { هَـٰذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَـٰذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ } هذه الجملة لا محل لها، لأنها مستأنفة جواب لسؤال مقدر كأن قائلاً قال: كيف مرجهما؟ قيل: هذا عذب وهذا ملح.

ويجوز على ضعف أن تكون حالية. والفرات: المبالغ في الحلاوة، والتاء فيه أصلية لام الكلمة، ووزنه فعال. وبعض العرب يقف عليها هاء، وهذا كما تقدم في التابوت. ويقال: سمي الماء الحلو فراتاً، لأنه يفرت العطش أي: يشقه ويقطعه والأُجاج: المبالغ في الملوحة، وقيل: في الحرارة، وقيل في المرارة. وهذا من أحسن المقابلة، حيث قال تعالى: { عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَـٰذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ } وأنشد بعضهم:
3877- فَلاَ واللَّهِ لاَ أَنْفَكُّ أَبكي   (إلى أَنْ نَلْتَقِي شُعْثاً عُراتَا)
أَأُلْحَى إنْ نَزَحْتُ أُجَاجَ عَيْنِي   عَلَى جَدَثٍ حَوَى العَذْبَ الفُرَاتَا
ما أحسن ما كنى عن دمعه بالأجاج، وعن المبكي عليه بالعذب الفرات وكان سبب إنشاد هذين البيتين أن بعضهم لحن قائلهما في قوله: عراتا. كيف يقف على تاء التأنيث المنونة بالألف؟ فقيل له: إنها لغة مستفيضة يجعلون التاء كغيرها فيبدلون تنوينها بعد الفتح ألفاً، حكي عن العرب أكلت تمرتاً نحو أكلت زيتاً. وقرأ طلحة وقتيبة عن الكسائي " مَلِح " بفتح الميم وكسر اللام، وكذا في سورة فاطر، وهو مقصور من (مالح) كقولهم: برد في بارد، قال:
3878- وَصِلْيانا بَرِدا   
وماء مالح لغة شاذة. وقال أبو حاتم: هذه قراءة منكرة.

قوله: " بَيْنَهُمَا بَرْزَخاً " يجوز أن يكون الظرف متعلقاً بالجعل، وأن يتعلق بمحذوف على أنه حال من " بَرْزَخاً ".

والأول أظهر. ومعنى " بَرْزَخاً " أي: حاجزاً بقدرته لئلا يختلط أحدهما بالآخر.

قوله: " وَحِجْراً مَحْجُوراً " الظاهر عطفه على " برزخاً ".

وقال الزمخشري: (فإن قلت: " حِجْراً مَحْجُوراً " ) ما معناه؟ قلت هي الكلمة التي يقولها المتعوّذ، وقد فسرناها، وهي هنا واقعة على سبيل المجاز، كأن واحداً من البحرين يقول لصاحبه: حجراً محجوراً كأنه يتعوذ من صاحبه ويقول له: حجراً محجوراً. كما قال: " لا يبغيان ". وهي من أحسن الاستعارات.

فعلى ما قاله يكون منصوباً بقول مضمر.

السابقالتالي
2