الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ تَرَ إِلَىٰ رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ ٱلظِّلَّ وَلَوْ شَآءَ لَجَعَلَهُ سَاكِناً ثُمَّ جَعَلْنَا ٱلشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً } * { ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضاً يَسِيراً } * { وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلَّيلَ لِبَاساً وَٱلنَّوْمَ سُبَاتاً وَجَعَلَ ٱلنَّهَارَ نُشُوراً } * { وَهُوَ ٱلَّذِيۤ أَرْسَلَ ٱلرِّيَاحَ بُشْرَاً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً طَهُوراً } * { لِّنُحْيِـيَ بِهِ بَلْدَةً مَّيْتاً وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَآ أَنْعَاماً وَأَنَاسِيَّ كَثِيراً }

قوله تعالى: { أَلَمْ تَرَ إِلَىٰ رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ ٱلظِّلَّ } الآية. لما بين جهل المعرضين عن دلائل التوحيد، وبين فساد طريقهم ذكر أنواعاً من الدلائل الدالة على وجود الصانع، فأولها الاستدلال بحال الظل في زيادته ونقصانه، وتغير أحواله قوله: " ألم تر " فيه وجهان:

أحدهما: أنه من رؤية العين.

والثاني: أنه من رؤية القلب، يعني: العلم، فإن حملناه على رؤية العين، فالمعنى: أَلَمْ تَرَ إلى الظل كيف مده ربُّك، وإن حملناه على العلم وهو اختيار الزجاج، فالمعنى: ألم تعلم، وهذا أولى، لأن الظل إذا جعلناه من المبصرات فتأثير قدرة الله في تمديده غير مرئي بالاتفاق ولكنه معلوم من حيث أن كل مبصر فله مؤثر، فحمل هذا اللفظ على رؤية القلب أولى من هذا الوجه. وهذا الخطاب وإن كان ظاهره للرسول فهو عام في المعنى، لأن المقصود بيان نعم الله تعالى بالظل، وجميع المكلفين مشتركون في تنبيههم لهذه النعمة و " كَيْفَ " منصوبة بـ " مَدَّ " ، وهي معلقة لـ " تَرَ " فهي في موضع نصب، وقد تقدم القول فيأَلَمْ تَرَ } [البقرة: 243].

فصل

الظل عبارة عن عدم الضوء مما شأنه أن يضيء، وهو ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، جعله ممدوداً، لأنه ظل لا شمس معه، كما قال في ظل الجنةوَظِلٍّ مَّمْدُودٍ } [الواقعة: 30] إذ لم يكن معه شمس، { وَلَوْ شَآءَ لَجَعَلَهُ سَاكِناً } دائماً ثابتاً لا يزول ولا تذهبه الشمس.

وقال أبو عبيدة: الظل ما نسخته الشمس وهو بالغداة، والفيء ما نسخ الشمس. سمي فيئاً، لأنه فاء من جانب المغرب إلى جانب المشرق، { ثُمَّ جَعَلْنَا ٱلشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً } ، أي: على الظل دليلاً، ومعنى دلالتها عليه أنه لو لم تكن الشمس لما عرفت الظل، ولولا النور ما عرف الظلمة، والأشياء تُعْرَفُ بأضدادها.

قال الزمخشري: فإن قُلتَ: " ثم " في هذين الموضعين كيف موقعها قلت موقعها لبيان تفاضل الأمور الثلاث، كأن الثاني أعظم من الأول، والثالث أعظم منهما تشبيهاً لتباعد ما بينهما في الفضل بتباعد ما بينهما في الوقت.

قوله: " ثُمَّ قَبَضْنَاهُ " يعني: الظل { إِلَيْنَا قَبْضاً يَسِيراً } بالشمس التي تأتي عليه، والقبض جمع المنبسط من الشيء، معناه: أن الظل يعم جميع الأرض قبل طلوع الشمس، فإذا طلعت الشمس قبض الله الظل جزءاً فجزءاً " قَبْضاً يَسِيراً " أي: خفياً، وقيل: المراد من قبضها يسيراً قبضها عند قيام الساعة، وذلك قبض أسبابها، وهي الأجرام التي تلقي الظلال. وقوله: " يَسِيراً " كقوله:حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ } [ق: 44] قوله تعالى: { وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱللَّيْلَ لِبَاساً } الآية. هذا هو النوع الثاني شبه الليل من حيث يستر الكل ويغطي باللباس الساتر للبدن، ونبه على (ما لنا فيه) من النفع بقوله: " والنَّوْمَ سُباتاً " والسبات: هو الراحة، أي: راحة لأبدانكم، وقطعاً لعملكم، وأصل السبت: القطع، والنائم مسبوت، لأنه انقطع عمله وحركته.

السابقالتالي
2 3