الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى ٱلْقَرْيَةِ ٱلَّتِيۤ أُمْطِرَتْ مَطَرَ ٱلسَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُواْ يَرَوْنَهَا بَلْ كَانُواْ لاَ يَرْجُونَ نُشُوراً } * { وَإِذَا رَأَوْكَ إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً أَهَـٰذَا ٱلَّذِي بَعَثَ ٱللَّهُ رَسُولاً } * { إِن كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلاَ أَن صَبْرَنَا عَلَيْهَا وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ ٱلْعَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلاً }

قوله تعالى: { وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى ٱلْقَرْيَةِ ٱلَّتِيۤ أُمْطِرَتْ (مَطَرَ ٱلسَّوْءِ) } الآية. أراد بالقرية قريات لوط، وكانت خمس قرى، فأهلك الله منها أربعاً ونجت واحدة، وهي (صقر) كان أهلها لا يعملون العمل الخبيث. يعني أن قريشاً مَرُّوا مُرُوراً كثيراً إلى الشام على تلك القرى، { ٱلَّتِيۤ أُمْطِرَتْ مَطَرَ ٱلسَّوْءِ } أي: أهلكت بالحجارة من السماء، { أفلم يكونوا يرونها } في مرورهم وينظروا إلى آثار عذاب الله ونكاله فيعتبروا ويتذكروا.

قوله: " مَطَرَ السَّوْءِ " فيه ثلاثة أوجه:

أحدها: أنه مصدر على حذف الزوائد أي: أمطار السوء.

الثاني: أنه مفعول ثان؛ إذ المعنى: أعطيتها وأوليتها مطر السوء.

الثالث: أنه نعت مصدر محذوف، أي: أمطاراً مثل مطر السوء وقرأ زيد بن عليّ " مُطِرَتْ " ثلاثياً مبنياً (للمفعول)، ومطر متعد قال:
3875- كَمَنْ بِوَادِيهِ بَعْدَ المَحْلِ مَمْطُورُ   
وقرأ أبو السمال " مطر السُّوء " بضم السين، وتقدم الكلام على السوء والسوء في براءة. وقوله: { أَتَوْا عَلَى ٱلْقَرْيَةِ } إنما عُدِّي (أتى) بـ (على)، لأنه ضُمِّن معنى مرَّ.

قوله: { بَلْ كَانُواْ لاَ يَرْجُونَ نُشُوراً } في هذا الرجاء ثلاثة أوجه:

أقواها ما قاله القاضي: وهو أنه محمول على حقيقة الرجاء؛ لأن الإنسان لا يحتمل متاعب التكليف إلا رجاء ثواب الآخرة، فإذا لم يؤمن بالآخرة لم يَرْجُ ثوابها فلا يتحمل تلك المشاق.

وثانيها: معناه لا يتوقعون نشورا، فوضع الرجاء موضع التوقُّع؛ لأنه إنما يتوقع العاقبة من يؤمن.

وثالثها: معناه: (لا يخافون) على اللغة التهامية. وهو ضعيف.

قوله: " وإذَا رَأَوْكَ " الآية. لما بين مبالغة المشركين في إنكار نبوته بإيراد الشبهات بين بعد ذلك أنهم إذا رأوا الرسول اتخذوه هزواً، ولم يقتصروا على ترك الإيمان به بل زادوا عليه بالاستهزاء والاستحقار، ويقول بعضهم لبعض: { أَهَـٰذَا ٱلَّذِي بَعَثَ ٱللَّهُ رَسُولاً }.

قوله: " إِنْ يَتَّخِذُونَكَ " " إنْ " الأولى نافية، والثانية مخففة من الثقيلة واللام هي الفارقة بينهما، و " هُزُوًّا مفعول ثان، ويحتمل أن يكون التقدير: موضع هُزْءٍ وأن يكون مهزوءاً بك. وهذه الجملة المنفية تحتمل وجهين:

أحدهما: أنها جواب (إذا) الشرطية، واختصت (إذا) بأن جوابها متى كان منفياً بـ (ما) أو (إن) أو (لا) لا تحتاج إلى الفاء بخلاف غيرها من أدوات الشرط فعلى هذا يكون قوله: " أَهَذَا الَّذي " في محل نصب بالقول المضمر، وذلك القول المضمر في محل نصب على الحال، أي: إن يتخذونك قائلين ذلك.

والثاني: أنها جملة معترضة بين (إذا) وجوابها. وجوابُها هو ذلك القول المضمر المحكي به " أهذا الذي " والتقدير: وإذا رأوك قالوا أهذا الذي بعث، فاعترض بجملة النفي، ومفعول " بعث " محذوف هو عائد الموصول، أي: بعثه.

السابقالتالي
2