الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِنْ هَـٰذَا إِلاَّ إِفْكٌ ٱفْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَآءُوا ظُلْماً وَزُوراً } * { وَقَالُوۤاْ أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ ٱكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَىٰ عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً } * { قُلْ أَنزَلَهُ ٱلَّذِي يَعْلَمُ ٱلسِّرَّ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً } * { وَقَالُواْ مَالِ هَـٰذَا ٱلرَّسُولِ يَأْكُلُ ٱلطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي ٱلأَسْوَاقِ لَوْلاۤ أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً } * { أَوْ يُلْقَىٰ إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ ٱلظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحُوراً } * { ٱنظُرْ كَيْفَ ضَرَبُواْ لَكَ ٱلأَمْثَالَ فَضَلُّواْ فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً }

قوله تعالى: { وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِنْ هَـٰذَا إِلاَّ إِفْكٌ ٱفْتَرَاهُ } الآية. لما تكلم أولاً في التوحيد وثانياً في الرد على عبدة الأوثان، تكلم ههنا في مسألة النبوة، وحكى شبه الكفار في إنكار نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم -. فالشبهة الأولى: قوله: { وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِنْ هَـٰذَا إِلاَّ إِفْكٌ ٱفْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ }.

قال الكلبي ومقاتل: نزلت في النضر بن الحارث هو الذي قال هذا القول { وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ } يعني: عامر مولى حويطب بن عبد العزى، ويسار غلام عامر بن الحضرمي، وجبير مولى عامر، هؤلاء الثلاثة كانوا من أهل الكتاب، وكانوا يقرؤون التوراة، فلما أسلموا، وكان النبي يتعهدهم، فمن أجل ذلك قال النضر ما قال. وقال الحسن: عبيد بن الحصر الحبشيّ الكاهن. وقيل: جبر ويسار وعداس عبيد كانوا بمكة من أهل الكتاب، فزعم المشركون أن محمداً يأخذ منهم.

قوله: " افتراه " الهاء تعود على " إفك " وقال أبو البقاء: الهاء تعود على " عبده " في أول السورة. قال شهاب الدين: ولا أظنه إلا غلطاً وكأنه أراد أن يقول الضمير المرفوع في " افتراه " فغلط.

قوله " ظلماً " فيه أوجه:

أحدها: أنه مفعول به، لأن جاء يتعدى بنفسه (وكذلك أتى).

والثاني: أنه على إسقاط الخافض، أي: جاءوا بظلم. قاله الزجاج.

الثالث: أنه في موضع الحال، فيجيء فيه ما في قولك: جاء زيد عدلاً.

قال الزمخشري: { فَقَدْ جَآءُوا ظُلْماً وَزُوراً } أي: أتوا ظلماً وكذباً كقوله:لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً } [مريم: 89] فانتصب بوقوع المجيء. أما كونه " ظلماً " فلأنهم نسبوا هذا الفعل القبيح إلى من كان مبرأ عنه، فقد وضعوا الشيء في غير موضعه، وذلك هو الظلم. وأما كونه " زوراً " فلأنهم كذبوا، قال أبو مسلم: الظلم تكذيبهم الرسول.

الشبهة الثانية: قوله تعالى: { وَقَالُوۤاْ أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ. ٱكْتَتَبَهَا } الآية. يجوز في " اكْتَتَبَهَا " ثلاثة أوجه:

أحدها: أن يكون حالاً من " أساطير " ، والعامل فيها معنى التنبيه أو الإشارة المقدرة، فإن " أَسَاطِير " خبر مبتدأ محذوف، تقديره: هذه أساطير الأولين مكتتبة.

الثاني: أن يكون في موضع خبر ثان لـ " هذه ".

الثالث: أن يكون " أساطير " مبتدأ و " اكْتَتَبَها " خبره. و " اكْتَتَبَها " الافتعال هنا يجوز أن يكون بمعنى: أمر بكتابتها كافتصد واحتجم إذا أمر بذلك ويجوز أن يكون بمعنى كتبها، وهو من جملة افترائهم عليه، لأنه كان أمياً لا يقرأ ولا يكتب، ويكون كقولهم: (استكبه واصطبه، أي: سكبه وصبه)، والافتعال مشعر بالتكليف. ويجوز أن يكون من كتب بمعنى جمع من الكتب، وهو الجمع لا من الكتابة بالقلم.

السابقالتالي
2 3 4