الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَوْمَ نُوحٍ لَّمَّا كَذَّبُواْ ٱلرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَاباً أَلِيماً } * { وَعَاداً وَثَمُودَاْ وَأَصْحَابَ ٱلرَّسِّ وَقُرُوناً بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيراً } * { وَكُلاًّ ضَرَبْنَا لَهُ ٱلأَمْثَالَ وَكُلاًّ تَبَّرْنَا تَتْبِيراً }

قوله تعالى: { وَقَوْمَ نُوحٍ } الآية. يجوز أن يكون " قَوْمَ " منصوباً عطفاً على مفعول " دَمَّرْنَاهم " ، ويجوز أن يكون منصوباً بفعل مضمر قوله: " أَغْرَقْنَاهُمْ " وترجح هذا بتقديم جملة فعلية قبله. هذا إذا قلنا: إن " لما " ظرف زمان، وأما إذا قلنا إنها حرف وجوب لوجوب فلا يتأتى ذلك، لأن " أَغْرَقْنَاهُمْ " حينئذ جواب " لما " ، وجوابها لا يفسر، ويجوز أن يكون منصوباً بفعل مقدر لا على سبيل الاشتغال، أي: اذكر قوم نوح.

فصل

إنما قال: " كذبوا الرسل " إما لأنهم كانوا من البراهمة المنكرين لكل الرسل، أو لأن تكذيبهم لواحد تكذيب للجميع، لأن من كذب رسولاً واحداً فقد كذب جميع الرسل.

وقوله " أَغْرَقْنَاهُمْ ". قال الكلبي: أمطرنا عليهم السماء أربعين يوماً، وأخرج ماء الأرض أيضاً في تلك الأربعين، فصارت الأرض بحراً واحداً. " وَجَعَلْنَاهُمْ " أي: جعلنا إغراقهم وقصتهم " للناس آية " للظالمين أي: لكل من سلك سبيلهم، " وأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمينَ " في الآخرة " عَذَاباً أَلِيماً ".

قوله تعالى: { وَعَاداً وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ ٱلرَّسِّ } الآية، " وعَاداً " فيه ثلاثة أوجه:

أن يكون معطوفاً على " قَوْمِ نُوح " ، وأن يكون معطوفاً على مفعول " جَعَلْنَاهُمْ " وأن يكون معطوفاً على محل " لِلظَّالِمِينَ " لأنه في قوة وعدنا الظالمين بعذاب. قوله: " وأَصْحَابَ الرَّسِّ " فيه وجهان:

أحدهما: (أنه) من عطف المغاير، وهو الظاهر.

والثاني: أنه من عطف بعض الصفات على بعض.

والمراد بـ " أَصْحَابَ الرَّسِّ " ثمود، لأن الرّسّ البئر التي لم تطو عن أبي عبيدة، وثمود أصحاب آبار. وقيل: " الرَّسُّ " نهر بالمشرق (وكانت قرى أصحاب الرس على شاطئ فبعث الله إليهم نبياً من أولاد يهودا بن يعقوب فكذبوه، فلبث فيهم زماناً يشتكي إلى الله منهم، فحفروا بئراً ورسوه فيها، وقالوا: نرجو أن يرضى عنا إلهنا، وكانوا عامة يومهم يسمعون أنين نبيهم وهو يقول: إلهي ترى ضيق مكاني، وشدة كربي، وضعف قلبي، وقلة صلتي فجعل قبض روحي حتى مات، فأرسل الله ريحاً عاصفة شديدة الحر، وصارت الأرض من تحتهم كبريتاً متوقداً، وأظلتهم سحابة سوداء، فذابت أبدانهم كما يذوب الرصاص) ويقال: إنهم أناس عبدة أصنام قتلوا نبيهم ورسوه في بئر أي؛ دسوه فيها وقال قتادة والكلبي: الرس بئر بفلج اليمامة قتلوا نبيهم وهو حنظلة بن صفوان وقيل: هم بقية ثمود قوم صالح، وهم أصحاب البئر التي ذكر الله تعالى في قوله:وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ } [الحج: 45]. وقال كعب ومقاتل والسدي: الرس بأنطاكية قتلوا فيها حبيب النجار، ورسوه في بئر، وهم الذين ذكرهم الله تعالى في سورة يس.

السابقالتالي
2