الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ تَبَارَكَ ٱلَّذِي نَزَّلَ ٱلْفُرْقَانَ عَلَىٰ عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً } * { ٱلَّذِي لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي المُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً }

قوله تعالى: { تَبَارَكَ ٱلَّذِي نَزَّلَ ٱلْفُرْقَانَ عَلَىٰ عَبْدِهِ } الآية. اعلم أنه تعالى تكلم في هذه السورة في التوحيد والنبوة وأحوال القيامة ثم ختمها بذكر العباد المخلصين المؤمنين. قال الزجاج: " تبارك " تفاعل من البركة. والبركة كثرة الخير وزيادته، وفيه معنيان:

أحدهما: تزايد خيره وتكاثره. قال ابن عباس: معناه: جاء بكل بركة، قال تعالى:وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا } [إبراهيم: 34].

والثاني: قال الضحاك: تعظّم الذي نزل الفرقان، أي: القرآن على عبده. وقيل: الكلمة تدل على البقاء، وهو مأخوذ من بروك البعير، ومن بروك الطير على الماء. وسميت البركة بركة، لثبوت الماء فيها، والمعنى: أنه سبحانه باق في ذاته أزلاً وأبداً ممتنع التغير، وباق في صفاته ممتنع التبدل.

فإن قيل: كلمة " الذي " موضوعة في اللغة للإشارة إلى الشيء عند محاولة تعريفه بقضية معلومة، وإذا كان كذلك فالقوم ما كانوا عالمين بأنه - سبحانه - الذي نزل الفرقان. فالجواب: أنه لما ظهر الدليل على كونه من عند الله، فلقوة الدليل وظهوره أجراه مجرى المعلوم.

فصل

وصف القرآن بالفرقان، لأنه فرق بين الحق والباطل في نبوة محمد - عليه السلام - وبين الحلال والحرام، أو لأنه فرق في النزول كقوله:وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى ٱلنَّاسِ عَلَىٰ مُكْثٍ } [الإسراء: 106]، وهذا أقرب، لأنه قال: { نَزَّلَ ٱلْفُرْقَانَ عَلَىٰ عَبْدِهِ } ولفظة " نزل " تدل على التفريق، ولفظة " أنزل " تدل على الجمع، ولهذا قال في سورة آل عمران:نَزَّلَ عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ } [آل عمران: 3]وَأَنْزَلَ ٱلتَّوْرَاةَ وَٱلإِنْجِيلَ } [آل عمران: 3]. والمراد بالعبد ههنا محمد - صلى الله عليه وسلم -.

قوله: " ليكون ". اللام متعلقة بـ " نزَّل " ، وفي اسم " يكون " ثلاثة أوجه:

أحدها: أنه ضمير يعود على " الَّذِي نزّل " ، أي: ليكون الذي نزل الفرقان نذيراً.

الثاني: أنه يعود على " الفرقان " وهو القرآن، أي: ليكون الفرقان نذيراً (أضاف الإنذار إليه كما أضاف الهداية إليه في قوله:إِنَّ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنَ يِهْدِي } [الإسراء: 9] وهذا بعيد؛ لأن المنذر والنذير من صفات الفاعل للتخويف، ووصف القرآن به مجاز، وحمل الكلام على الحقيقة أولى).

الثالث: أنه يعود على " عبده " ، أي: ليكون عبده محمد - صلى الله عليه وسلم - نذيراً. وهذا أحسن الوجوه معنى وصناعة لقربه مما يعود عليه الضمير على أقرب مذكور. و " لِلعَالَمِين " متعلق بـ " نَذِيراً " ، وإنما قدم لأجل الفواصل، ودعوى إفادة الاختصاص بعيدة، لعدم تأتيها هنا، ورجح أبو حيان عوده على " الذي " ، قال: لأنه العمدة المسند إليه الفعل، وهو من وصفه تعالى كقوله:

السابقالتالي
2