الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُواْ مَعَهُ عَلَىٰ أَمْرٍ جَامِعٍ لَّمْ يَذْهَبُواْ حَتَّىٰ يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا ٱسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَن لِّمَن شِئْتَ مِنْهُمْ وَٱسْتَغْفِرْ لَهُمُ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { لاَّ تَجْعَلُواْ دُعَآءَ ٱلرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَآءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً قَدْ يَعْلَمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ لِوَاذاً فَلْيَحْذَرِ ٱلَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } * { أَلاۤ إِنَّ للَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ قَدْ يَعْلَمُ مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُواْ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمُ }

قوله تعالى: { إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُواْ مَعَهُ } أي: مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - { عَلَىٰ أَمْرٍ جَامِعٍ } يجمعهم من حرب حضرت، أو صلاة جمعة، أو عيد، أو جماعة، أو تشاور في أمر نزل. فقوله " أَمْرٍ جَامِع " من الإسناد المجازي (لأنه لما كان سبباً في جمعهم نسب الفعل) إليه مجازاً.

وقرأ اليماني: " عَلَى أَمْرٍ جَميعٍ " فيحتمل أن يكون صيغة مبالغة بمعنى " مُجمع " وألا يكون. والجملة الشرطية من قوله: " وَإِذَا كَانُوا " وجوابها عطف على الصلة من قوله: " آمَنُوا ".

والأمر الجامع: هو الذي يعم ضرره أو نفعه، والمراد به: الخطب الجليل الذي لا بُدَّ لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أرباب التجارب (والآراء) ليستعين بتجاربهم، فمفارقة أحدهم في هذه الحالة مما يَشُق على قلبه.

فصل

قال الكلبي: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يُعَرِّضُ في خطبته بالمنافقين ويعيبهم، فينظر المنافقون يميناً وشمالاً، فإذا لم يرهم أحد انسلوا وخرجوا ولم يصلوا، وإن أبصرهم أحد ثبتوا وصلوا خوفاً، فنزلت الآية، فكان المؤمن بعد نزول هذه الآية لا يخرج لحاجته حتى يستأذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان المنافقون يخرجون بغير إذن.

فصل

قال العلماء: كل أمر اجتمع عليه المسلمون مع الإمام لا يخالفونه ولا يرجعون عنه إلاّ بإذن، وهذا إذا لم يكن سبب يمنعه من المقام، (فإن حدث سبب يمنعه من المقام) بأن يكونوا في المسجد فتحيض منهم امرأة، أو يجنب رجل، أو يعرض له مرض فلا يحتاج إلى الاستئذان.

فصل

قال الجبائي: دلَّت الآية على أن استئذانهم الرسول من إيمانهم، ولولا ذلك لجاز أن يكونوا كاملي الإيمان.

والجواب: هذا بناء على أن كلمة " إنما " للحصر، وأيضاً فالمنافقون إنما تركوا الاستئذان استخفافاً، وذلك كفر.

قوله: { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ } تعظيماً لك ورعاية للأدب { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ } أي: يعملون بموجب الإيمان ومقتضاه. قال الضحاك ومقاتل: المراد: عمر بن الخطاب، وذلك أنه استأذن في غزوة تبوك في الرجوع إلى أهله، فأذن له، وقال: " انطلق، فوالله ما أنت بمنافق " يريد أن يُسْمِع المنافقين ذلك الكلام، فلما سمعوا ذلك قالوا ما بال محمد إذا استأذنه أصحابه أذن لهم، وإذا استأذناه أبى، فوالله ما نراه يعدل.

قال ابن عباس: " إن عمر استأذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في العمرة، فأذن له، ثم قال: " يا أبا حفص لا تنسنا في صالح دعائك ".

قوله: " لِبَعْض شَأْنِهِمْ " تعليل، أي: لأجل بعض حاجتهم.

السابقالتالي
2 3 4 5