الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لِيَسْتَأْذِنكُمُ ٱلَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَـٰنُكُمْ وَٱلَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُواْ ٱلْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ مِّن قَبْلِ صَـلَٰوةِ ٱلْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَـٰبَكُمْ مِّنَ ٱلظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلَٰوةِ ٱلْعِشَآءِ ثَلاَثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلاَ عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَٰفُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلأَيَـٰتِ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } * { وَإِذَا بَلَغَ ٱلأَطْفَالُ مِنكُمُ ٱلْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُواْ كَمَا ٱسْتَأْذَنَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } * { وَٱلْقَوَاعِدُ مِنَ ٱلنِّسَآءِ ٱلَّلاَتِي لاَ يَرْجُونَ نِكَاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عِلِيمٌ }

قوله تعالى: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لِيَسْتَأْذِنكُمُ ٱلَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَـٰنُكُمْ } الآية.

قال ابن عباس: وجَّه رسول اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - غلاماً من الأنصار يقال له: " مُدْلج بن عمرو " إلى عمر بن الخطاب وقت الظهيرة ليدعوه، فدخل، فرأى عمر بحالة كره عمر رؤيته ذلك، فأنزل الله هذه الآية. وقال مقاتل: نزلت في أسماء بنت مَرْثَد، كان لها غلام كبير، فدخل عليها في وقت كرهته، فأتت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت: إنّ خدمنا وغلماننا يدخلون علينا في حال نكرهها، فأنزل الله { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لِيَسْتَأْذِنكُمُ } اللام للأمر " مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ " يعني: العبيد والإماء.

قال القاضي: هذا الخطاب وإن كان ظاهره للرجال، فالمراد به الرجال والنساء، لأنّ التذكير يغلب على التأنيث. قال ابن الخطيب: والأولى عندي أنّ الحكم ثابت في النساء بقياس جليّ، لأنّ النساء في باب (حفظ) العورة أشد حالاً من الرجال، فهو كتحريم الضرب بالقياس على حرمة التأفيف. وقال ابن عباس: هي في الرجال والنساء يستأذنون على كل حال في الليل والنهار. واختلف العلماء في هذا الندب: فقيل للأمر. وقيل: للوجوب، وهو الأظهر. قوله: { وَٱلَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُواْ ٱلْحُلُمَ مِنكُمْ } أي: من الأحرار، وليس المراد: الأطفال الذين لم يظهروا على عورات النساء، بل الذين عرفوا أمر النساء، ولكن لم يبلغوا.

واتفق الفقهاء على أنّ الاحتلام بلوغ. واختلفوا في بلوغ خمس عشرة سنة إذا لم يوجد احتلام: قال أبو حنيفة: لا يكون بالغاً حتى يبلغ ثماني عشرة سنة، ويستكملها الغلام والجارية تستكمل سبع عشرة. وقال الشافعي وأبو يوسف ومحمد: في الغلام والجارية خمس عشرة سنة إذا لم يحتلم، لما روى ابن عمر أنه عرض على النبي يوم أحد، وهو ابن أربع عشرة سنة، فلم يجزه، وعرض عليه يوم الخندق وله خمس عشرة سنة، فأجازه. قال أبو بكر الرازي: هذا الخبر مضطرب، لأنّ أُحُداً كان في سنة ثلاث، والخندق كان في سنة خمس، فكيف يكون بينهما سنة؟ ثم مع ذلك فإن الإجازة في القتال لا تعلق لها بالبلوغ، فقد لا يؤذن للبالغ لضعفه، ويؤذن لغير البالغ لقوته ولطاقته لحمل السلاح، ولذلك لم يسأله النبي - عليه السلام - عن الاحتلام والسن. واختلفوا في الإنبات: هل يكون بلوغاً؟ فأصحاب الرأي لم يجعلوه بلوغاً، لقوله - عليه السلام -: " وعن الصبي حتى يحتلم " وقال الشافعي: هو بلوغ، لأنّ النبي - عليه السلام -: أمر بقتل من أنبت من بني قريظة. قال الرازي: الإنبات يدل على القوة البدنية، فالأمر بالقتل لذلك لا للبلوغ.

فصل

قال أبو بكر الرازي: دلَّت هذه الآية على أن من لم يبلغ وقد عقل يؤمر بفعل الشرائع، وينهى عن ارتكاب القبائح، فإن الله تعالى أمرهم بالاستئذان في هذه الأوقات.

السابقالتالي
2 3 4 5 6