الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ ٱلْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } * { وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ ٱللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَآئِزُون } * { وَأَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ قُل لاَّ تُقْسِمُواْ طَاعَةٌ مَّعْرُوفَةٌ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } * { قُلْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَّا حُمِّلْتُمْ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُواْ وَمَا عَلَى ٱلرَّسُولِ إِلاَّ ٱلْبَلاَغُ ٱلْمُبِينُ }

قوله تعالى: { إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ ٱلْمُؤْمِنِينَ }. العامة على نصب " قَوْلَ " خبراً لـ " كَانَ " ، والاسم " أنْ " المصدرية وما بعدها. وقرأ أمير المؤمنين والحسن وابن أبي إسحاق برفعه على أنه الاسم، و " أَنْ " وما في حَيِّزها الخبر، وهي عندهم مرجُوحَةٌ، لأنه متى اجتمع مَعْرِفَتَان فالأولى جعل الأعرف الاسم، وإن كان سيبويه خيَّر في ذلك بين كل معرفتين، ولم يفرِّق هذه التفرقة، وتقدم تحقيق هذا في " آل عمران ".

فصل

قوله: { إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ ٱلْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ } أي: إلى كتاب الله { وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ } وهذا ليس على طريق الخبر، ولكنه تعليم أدب الشرع، بمعنى أن المؤمنين ينبغي أن يكونوا هكذا، { أَن يَقُولُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا } أي: سمعنا الدعاء وأطعنا بالإجابة، { وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } قال ابن عباس: فيما ساءه وسره " وَيخْشَى اللَّهَ " فيما صدر عنه من الذنوب في الماضي " وَيَتَّقِه " فيما بقي من عمره { فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَآئِزُون } الناجون.

قوله: " وَيَتَّقِهِ ". القراء فيه بالنسبة إلى القاف على مرتبتين:

الأولى: تسكينُ القاف، ولم يقرأ بها إلاّ حفص. والباقون بكسرها.

وأما بالنسبة إلى هاء الكناية فإنهم فيها على خمس مراتب:

الأولى: تحريكُهَا مَفْصُولةً قولاً واحداً، وبها قرأ ورشٌ وابن ذَكْوَانَ وخَلَفٌ وابن كثير والكسائيّ.

الثانية: تسكينها قولاً واحداً، وبها قرأ أبو عمرو وأبو بكر عن عاصم.

الثالثة: إسكان الهاء أو وصلها بياء، وبها قرأ خلاَّد.

الرابعة: تحريكها من غير صلة، وبها قرأ قالون وحفص.

الخامسة: تحريكها موصولة أو مقصورة، وبها قرأ هشام.

فأمَّا إسكان الهاء وقصرها وإشباعها فقد مرَّ تحقيقه مستوفًى. وأما تسكين القاف فإنهم حملوا المنفصل على المتَّصل، وذلك أنهم يُسَكِّنُون عين " فَعل " فيقولون: كَبْد، وكتف، وصبر في كَبِد وكَتِف وصبِر، لأنها كلمة واحدة، ثم أجري ما أشبه ذلك من المنفصل مُجْرَى المتصل، فإن " يَتَّقِه " صار منه " تَقِه " بمنزلة " كَتِف " فسكن كما يسكن، ومنه:
3849- قَالَتْ سُلَيْمَى اشْتَرْ لَنَا سَوِيقَا   
بسكون الراء كما سكن الآخر:
3850- فَبَاتَ مُنْتَصباً وَمَا تَكَرْدَسَا   
وقول الآخر:
3851- عَجِبْتُ لمَوْلُودٍ وَلَيْسَ لَهُ أَبٌ   وَذِي وَلَدٍ لَمْ يَلْدَهُ أَبَوَانِ
يريد: " مُنْتَصِباً " ، و " لَمْ يَلِدْهُ ".

وتقدم في أول البقرة تحرير هذا الضابط في قوله:فهي كالحجارة } [البقرة: 74] و " هي " و " هو " ونحوها:

وقال مكيٌّ: كان يجب على من سَكَّنَ القاف أن يضُمَّ الهاء، لأنَّ هاء الكناية إذا سُكِّن ما قبلها ولم يكن الساكن ياءً ضُمَّتْ نحو " مِنْهُ " و " عَنْهُ " ، ولكن لما كان سكون القاف عارضاً لم يعتدَّ به، وأبقى الهاء على كسرتها التي كانت عليها مع كسر القاف، ولم يصلها بياء، لأنَّ الياء المحذوفة قبل الهاء مُقَدَّرَةٌ مَنْويَّةٌ، (فبقي الحذف الذي في الياء قبل الهاء على أصله).

السابقالتالي
2 3 4