الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَبِٱلرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّىٰ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ مِّن بَعْدِ ذٰلِكَ وَمَآ أُوْلَـٰئِكَ بِٱلْمُؤْمِنِينَ } * { وَإِذَا دُعُوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ مُّعْرِضُونَ } * { وَإِن يَكُنْ لَّهُمُ ٱلْحَقُّ يَأْتُوۤاْ إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ } * { أَفِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ أَمِ ٱرْتَابُوۤاْ أَمْ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلظَّالِمُونَ }

قوله تعالى: { وَيِقُولُونَ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَبِٱلرَّسُولِ وَأَطَعْنَا } الآية.

لما ذكر دلائل التوحيد أتبعه بذم قوم اعترفوا بالذنب بألسنتهم ولكنهم لم يقبلوه بقلوبهم.

قال مقاتل: نزلت هذه الآية في بشر المنافق وكان قد خاصم يهودياً في أرض، فقال اليهودي: نتحاكم إلى محمد - صلى الله عليه وسلم - وقال المنافق: نتحاكم إلى كعب بن الأشرف، فإن محمداً يحيف علينا، فأنزل الله هذه الآية. وقد مضت قصتها في سورة " النساء ".

وقال الضحاك: نزلت في المغيرة بن وائل، كان بينه وبين علي بن أبي طالب أرض تقاسماها، فوقع إلى عليّ ما لا يصيبه الماء إلا بمشقة، فقال المغيرة: بعني أرضك. فباعها إياه، وتقابضا. فقيل للمغيرة: أخذت سبخة لا ينالها الماء فقال لعلي: اقبض أرضك، فإنما اشتريتها إن رضيتها، ولم أرضها. فقال علي: بل اشتريتها ورضيتها وقبضتها وعرفت حالها، لا أقبلها منك، ودعاه إلى أن يخاصمه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال المغيرة: أما محمد فلا آتيه ولا أحاكم إليه، فإنه يبغضني، وأنا خاف أن يحيف علي، فنزلت الآية.

وقال الحسن: نزلت هذه في المنافقين الذين كانوا يظهرون الإيمان ويسرون الكفر.

فصل

المعنى: { وَيِقُولُونَ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَبِٱلرَّسُولِ وَأَطَعْنَا } يعني: المنافقين يقولونه، " ثُمَّ يَتَوَلَّى " يعرض عن طاعة الله ورسوله { فَرِيقٌ مِّنْهُمْ مِّن بَعْدِ ذٰلِكَ } أي من بعد قولهم: آمَنَّا، ويدعو إلى غير حكم الله، ثم قال: { وَمَآ أُوْلَـٰئِكَ بِٱلْمُؤْمِنِينَ }.

فإن قيل: إنه تعالى حكى عن كلهم أنهم يقولون: " آمَنَّا " ثم حكى عن فريق منهم التولي، فكيف يصح أن يقول في جميعهم: { وَمَآ أُوْلَـٰئِكَ بِٱلْمُؤْمِنِينَ } مع أن المتولي فريق منهم؟

فالجواب: أن قوله: { وَمَآ أُوْلَـٰئِكَ بِٱلْمُؤْمِنِينَ } راجع إلى الذين تولوا لا إلى الجملة الأولى، وأيضاً فلو رجع إلى الأولى لصح، ويكون معنى قوله: { ثُمَّ يَتَوَلَّىٰ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ } أي: يرجع هذا الفريق إلى الباقين فيظهر بضهم لبعض الرجوع، كما أظهروه، ثم بين تعالى أنهم إذا دُعُوا إلى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُم بَيْنَهُمْ إذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرضُونَ، وهذا ترك للرضا بحكم الرسول لقوله تعالى: { وَإِن يَكُنْ لَّهُمُ ٱلْحَقُّ يَأْتُوۤاْ إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ } منقادين لحكمه، أي: إذا كان الحق لهم على غيرهم أسرعوا إلى حكمه لتيقنهم أنه كما يحكم عليهم بالحق يحكم لهم أيضاً بالحق، وهذا يدل على أنهم إنما يعرضون متى عرفوا الحق لغيرهم أو شكوا. فأما إذا عرفوه لأنفسهم عدلوا عن الإعراض وسارعوا إلى الحكم وأذعنوا (ببذل الرضا).

قوله: " ليَحْكُم " أفرد الضمير وقد تقدَّمه اسمان وهما: " اللَّهُ ورَسُولُهُ " فهو كقوله:وَٱللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ } [التوبة: 62] لأنَّ حكم رَسُولِهِ هو حُكْمُهُ.

السابقالتالي
2