الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَآبَّةٍ مِّن مَّآءٍ فَمِنْهُمْ مَّن يَمْشِي عَلَىٰ بَطْنِهِ وَمِنهُمْ مَّن يَمْشِي عَلَىٰ رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَّن يَمْشِي عَلَىٰ أَرْبَعٍ يَخْلُقُ ٱللَّهُ مَا يَشَآءُ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } * { لَّقَدْ أَنزَلْنَآ آيَاتٍ مُّبَيِّنَاتٍ وَٱللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }

قوله تعالى: { وَٱللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَآبَّةٍ مِّن مَّآءٍ } الآية.

لما استدل أولاً بأحوال السماء والأرض، وثانياً بالآثار العلوية استدل ثالثاً بأحوال الحيوانات. قال ابن عطية: قرأ حمزة والكسائي: { واللَّهُ خَالِقُ كُلِّ دَابَّةٍ } على الإضافة، فإن قيل: لم قال: { وَٱللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَآبَّةٍ مِّن مَّآءٍ } مع أن كثيراً من الحيوانات لم يُخْلَقْ من الماء، كالملائكة خلقوا من النور، وهم أعظم الحيوانات عدداً، وكذلك الجن وهم مخلوقون من النار، وخلق آدم من التراب لقوله:خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ } [آل عمران: 59] وخلق عيسى من الريح لقوله:فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا } [التحريم: 12] ونرى كثيراً من الحيوانات يتولد لا عن نطفة؟ فالجواب من وجوه:

أحسنها: ما قال القفال: إنَّ " مَاءٍ " صلة " كُلَّ دَابَّةٍ " وليس هو من صلة " خَلَق " والمعنى: أنَّ كلَّ دَابَّةٍ متولدة من الماء فهي مخلوقة لله تعالى.

وثانيها: أنَّ أصل جميع المخلوقات الماء على ما روي: " أول ما خلق الله جوهرة فنظر إليها بعين الهيبة فصارت ماء، ثم من ذلك الماء خلق النار والهواء والنور ". والمقصود من هذه الآية: بيان أصل الخلقة، وكان أصل الخلقة الماء، فلهذا ذكره الله تعالى.

وثالثها: المراد من " الدَّابَّة ": التي تدب على وجه الأرض، ومسكنهم هنالك، فيخرج الملائكة والجن، ولما كان الغالب من هذه الحيوانات كونهم مخلوقين من الماء، إما لأنها متولدة من النطفة، وإما لأنها لا تعيش إلا بالماء، لا جرم أطلق عليه لفظ الكل تنزيلاً للغالب منزلة الكل.

وقيل: الجار في قوله: " مِنْ مَاء " متعلق بـ " خَلَقَ " أي: خَلَقَ مِنْ ماءٍ كُلَّ دَابَّةٍ، و " مِنْ " لابتداء الغاية. ويرد على هذا السؤال المتقدم.

فإن قيل: لم نكر الماء في قوله: " مِنْ مَاءٍ " وعرفه في قوله:مِنَ ٱلْمَآءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ } [الأنبياء: 30]؟

فالجواب: جاء هاهنا منكراً لأنّ المعنى: خلق كلّ دابة من نوع من الماء مختصاً بتلك الدابة، وعرفه في قوله:مِنَ ٱلْمَآءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ } [الأنبياء: 30] لأنّ المقصود هناك: كونهم مخلوقين من هذا الجنس، وهاهنا بيان أنّ ذلك الجنس ينقسم إلى أنواع كثيرة.

قوله: { فَمِنْهُمْ مَّن يَمْشِي }. إنما أطلق " مَنْ " على غير العاقل لاختلاطه بالعاقل في المُفَصَّل بـ " مِن " وهو " كُلَّ دَابَّةٍ ". وكان التعبير بـ " مَنْ " أولى ليوافق اللفظ.

وقيل: لَمَّا وَصَفَهُمْ بِما يُوصف به العقلاء وهو المشيُ أطلق عليها " منْ " وفيه نظرٌ، لأن هذه الصفة ليست خاصةً بالعقلاء، بخلاف قوله تعالى:أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ } [النحل: 17]، وقوله:
3845- أَسِرْبَ القَطَا هَلْ مَنْ يُعِيرُ جَنَاحَهُ   ...........................

السابقالتالي
2