الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يُزْجِي سَحَاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَاماً فَتَرَى ٱلْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلاَلِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَن يَشَآءُ وَيَصْرِفُهُ عَن مَّن يَشَآءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِٱلأَبْصَارِ } * { يُقَلِّبُ ٱللَّهُ ٱللَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لَعِبْرَةً لأُوْلِي ٱلأَبْصَارِ }

وهذه الرؤية بصرية. والإزْجَاءُ: السوق قليلاً قليلاً، ومنه البضاعة المزجاة التي يزجيها كل أحد، وإزجاء السير في الإبل: الرفق بها حتى تسير شيئاً شيئاً.

قوله: " بَيْنَهُ " إنما دخلت " بَيْنَ " على مفرد، وهي إنَّما تدخل على مثنى فما فوقه، لأنَّه إما أن يُرَاد بالسحاب: الجنس، فعاد الضمير عليه على حكمه، وإما أن يراد حذف مضافه أي: بَيْنَ قطعِهِ، فإن كل قطعة سحابة. قال ابن عطية: بين مُفترق السحاب، لأن مفهوم السحاب يقتضي أن بينه فروجاً. وورش عن نافع لا يهمز " يُؤَلِّفُ ". وقالون عن نافع والباقون يهمزون " يُؤَلِّفُ ".

قوله: { ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَاماً } أي: متراكماً يركب بعضها على البعض ويتكاثف، والعرب تقول: إن الله تعالى إذا جعل السحاب ركاماً بالريح عصر بعضه بعضاً فخرج الودق منه، ومن ذلك قوله تعالى:وَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلْمُعْصِرَاتِ مَآءً ثَجَّاجاً } [النبأ: 14]، ومن ذلك قول حسان بن ثابت:
3839- كِلْتَاهُمَا حَلَبُ العَصِيرِ فَعَاطِنِي   بِزُجَاجَة أرْخَاهُمَا لِلمَفْصَلِ
وروي: " لِلْمِفْصَلِ " بكسر الميم وفتح الصاد. فالمَفْصَلُ: واحد المفاصل. والمِفْصَل: اللسان. وروي بالقاف. أراد حسان الخمر والماء الذي مزجت، أي: من عصير العنب، وهذه من عصير السحاب، نقله ابن عطية. وقال أهل الطبائع: إن تكوين السحاب والمطر والثلج والبرد والطل والصقيع في أكثر الأمر يكون من تكاثف البخار، وفي الأقل من تكاثف الهواء.

أما الأول فالبخار الصاعد إن كان قليلاً وكان في الهواء من الحرارة ما يحلل ذلك البخار فحينئذ ينحل وينقلب هواء، وإن كان البخار كثيراً ولم يكن في الهواء من الحرارة ما يحلله فتلك الأبخرة المتصاعدة إمّا أن تبلغ في صعودها إلى الطبقة الباردة من الهواء أو لا تبلغ.

فإن بلغت فإما أن يكون البرد قوياً أو لا يكون. فإن لم يكن البرد هنا قوياً تكاثف ذلك البخار بذلك القدر من البرد واجتمع وتقاطر، فالبخار المجتمع هو السحاب، والمتقاطر هو المطر، والديمة والوابل إنما يكون من أمثال هذه الغيوم. وإن كان البرد شديداً فلا يخلو إما أن يصل البرد إلى الإجزاء البخارية قبل اجتماعها وانحلالها حبات كبار أو بعد صيرورتها كذلك. فإن كان على الوجه الأول نزل ثلجاً. وإن كان على الوجه الثاني نزل برداً فإن لم تبلغ الأبخرة إلى الطبقة الباردة فإما أن تكون كثيرة أو قليلة. فإن كانت كثيرة فقد تنعقد سحاباً ماطراً، وقد لا تنعقد. أما الأول فلأسباب خمسة:

أحدها: إذا منع هبوب الرياح عن تصاعد تلك الأبخرة.

وثانيها: أن تكون الرياح (ضاغطة) إياها إلى الاجتماع بسبب وقوف جبال قدام الريح.

وثالثها: أن تكون هناك رياح متقابلة متصادمة فتعود الأبخرة حينئذ.

السابقالتالي
2 3 4 5